ان الحمد لله
نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن
سيئات
اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ان لا
اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه
واتباعه
باحسان الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
الامام الشافعي احد
الائمة
الاربعة عند اهل السنة واليه نسبة الشافعية كافة . وهو ابوعبد الله
محمد
بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي. وكان
ابوه
قد هاجر من مكة الى غزة بفلسطين بحثا عن الرزق لكنه مات بعد ولادة
محمد
بمدة قصيرة فنشأ محمد يتيما فقيرا . وشافع بن السائب هو الذي ينتسب
اليه
الشافعي لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، واسر ابوه السائب يوم بدر في
جملة
من أسر وفدى نفسه ثم اسلم . ويلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم
في عبد مناف.
اما امه فهي يمانية من الازد وقيل من قبيلة الاسد
وهي قبيلة عربية لكنها ليست قرشية، قيل ان ولادة الشافعي كانت في عسقلان
وقيل
بمنى لكن الاصح ان ولادته كانت في غزة عام 150 هجرية وهو نفس العام
الذي
توفى فيه ابو حنيفة .
ولما بلغ سنتين قررت امه العودة وابنها الى
مكة
لاسباب عديدة منها حتى لايضيع نسبه ، ولكي ينشأ على ما ينشأ عليه
اقرانه
، فأتم حفظ القران وعمره سبع سنين . عرف الشافعي بشجو صوته في
القراءة
، قال ابن نصر : كنا اذا اردنا ان نبكي قال بعضنا لبعض : قوموا الى
هذا الفتى المطلبي يقرأ القران ، فاذا أتيناه (يصلي في الحرم ) استفتح
القران
حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فاذا راى ذلك
امسك
من القراءة . ولحق بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة . وكانت
هذيل
افصح العرب ، ولقد كانت لهذه الملازمة اثر في فصاحته وبلاغة ما يكتب،
وقدلفتت
هذه البراعة انصار معاصريه من العلماء بعد ان شب وكبر ، حتى
الاصمعي
وهو من ائمة اللغة المعدودين يقول : ( صححت اشعار هذيل على فتى من
قريش
يقال له محمد بن ادريس ) وبلغ من اجتهاده في طلب العلم ان اجازه شيخه
مسلم
بن خالد الزنجي بالفتيا وهو لا يزال صغير .
حفظ الشافعي وهو
ابن
ثلاث عشرة سنة تقريبا كتاب الموطأ للامام مالك ورحلت به امه الىالمدينة
ليتلقى العلم عند الامام مالك . ولازم الشافعي الامام مالك ست عشرة سنة
حتى
توفى الامام مالك (179 هجرية ) وبنفس الوقت تعلم على يد ابراهيم بن سعد
الانصاري ، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم .
وبعد وفاة الامام مالك
(179
هجرية ) سافر الشافعي الى نجران واليا عليها ورغم عدالته فقد وشى
البعض
به الى الخليفة هارون الرشيدفتم استدعائه الى دار الخلافة سنة
(184هجرية
) وهناك دافع عن موقفه بحجة دامغة وظهر للخليفة براءة الشافعي
مما نسب
اليه واطلق سراحه .
واثناء وجوده في بغداد أتصل بمحمد بن الحسن
الشيباني تلميذ ابي حنيفة وقرأ كتبه وتعرف على علم اهل الرأي ثم عاد بعدها
الى مكة واقام فيها نحوا من تسع سنوات لينشر مذهبه من خلال حلقات العلم
التي
يزدحم فيها طلبة العلم في الحرم المكي ومن خلال لقاءه بالعلماء اثناء
مواسم
الحج . وتتلمذ عليه في هذه الفترة الامام احمد بن حنبل .
ثم عاد
مرة
اخرى الى بغداد سنة ( 195 هجرية ) ، وكان له بها مجلس علم يحضره
العلماء
ويقصده الطلاب من كل مكان . مكث الشافعي سنتين في بغداد ألف خلالها
كتابه (الرسالة ) ونشر فيها مذهبه القديم ولازمه خلال هذه الفترة اربعة من
كبار اصحابه وهم احمد بن حنبل ، وابو ثور ، والزعفراني ، والكرابيسي . ثم
عاد
الامام الشافعي الى مكة ومكث بها فترة قصيرة غادرها بعد ذلك الى
بغدادسنة
(198هجرية ) وأقام في بغداد فترة قصيرة ثم غادر بغداد الى مصر .
قدم
مصر سنة ( 199 هجرية ) تسبقه شهرته وكان في صحبته تلاميذه الربيع بن
سليمان
المرادي ، وعبدالله بن الزبير الحميدي ، فنزل بالفسطاط ضيفا على عبد
الله بن عبد الحكم وكان من اصحاب مالك . ثم بدأ بالقاء دروسه في جامع عمرو
بن العاص فمال اليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيرا من اتباع الامامين ابي
حنيفة ومالك . وبقي في مصر خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس
والمناظرة
والرد على الخصوم . وفي مصر وضع الشافعي مذهبه الجديد وهو
الاحكام
والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في
العراق ،
وصنف في مصر كتبه الخالدة التي رواها عنه تلاميذه .
وتطرق
احمد تمام في كتابه (الشافعي ملامح وآثار ) كيفية ظهور شخصية الشافعي
ومنهجه
في الفقه . هذا المنهج الذي هو مزيج من فقه الحجاز وفقه العراق ،
هذا
المنهج الذي انضجه عقل متوهج ، عالم بالقران والسنة ، بصير بالعربية
وادابها
خبير باحوال الناس وقضاياهم ، قوي الرأي والقياس .
فلو عدنا
الى
القرن الثاني الميلادي لوجدنا انه ظهر في هذا القرن مدرستين اساسيتين
في
الفقه الاسلامي هما مدرسة الراي ، ومدرسة الحديث ، نشأت المدرسة الاولى
في
العراق وهي امتداد لفقه عبدالله بن مسعود الذي اقام هناك ، وحمل اصحابه
علمه
وقاموا بنشره . وكان ابن مسعود متأثرا بمنهج عمر بن الخطاب في الاخذ
بالرأي
والبحث في علل الاحكام حين لا يوجد نص من كتاب الله او سنة رسوله
صلى
الله عليه وسلم . ومن أشهر تلامذة ابن مسعود الذين أخذوا عنه : علقمة
بن
قيس النخعي ، والاسود بن يزيد النخعي ، ومسروق بن الاجدع الهمداني ،
وشريح
القاضي ، وهؤلاء كانوا من ابرز فقهاء القرن الاول الهجري . ثم تزعم
مدرسة
الرأي بعدهم ابراهيم بن يزيد النخعي فقيه العراق بلا منازع وعلى يديه
تتلمذ حماد بن سليمان ، وخلفه في درسه ، وكان اماما مجتهدا وكانت له
بالكوفة
حلقة عظيمة يؤمها طلاب العلم وكان بينهم ابو حنيفة النعمان الذي
فاق
أقرانه وانتهت اليه رئاسة الفقه ، وتقلد زعامة مدرسة الرأي من بعد شيخه
، والتف حوله الراغبون في تعلم الفقه وبرز منهم تلاميذ بررة على رأسهم ابو
يوسف القاضي ، ومحمد بن الحسن ، وزفر والحسن بن زياد وغيرهم ،وعلى يد
هؤلاء
تبلورت طريقة مدرسة الرأي واستقر امرها ووضح منهجها .
وأما
مدرسةالحديث
فقد نشأت بالحجاز وهي امتداد لمدرسة عبد الله بن عباس ، وعبد
الله بن
عمر ، وعائشة وغيرهم من فقهاء الصحابة الذين أقاموا بمكة والمدينة ،
وكان يمثلها عددكبير من كبار الائمة منهم سعد بن المسيب ، وعروة بن الزبير
، والقاسم بن محمد ، وابن شهاب الزهري ، والليث بن سعد ، ومالك بن انس .
وتمتاز
تلك المدرسة بالوقوف عند نصوص الكتاب والسنة ، فان لم تجد التمست
اثار
الصحابة ، ولم تلجئهم مستجدات الحوادث التي كانت قليلة في الحجاز الى
التوسع
في الاستنباط بخلاف ما كان عليه الحال في العراق .
وجاء الشافعي
والجدل
مشتعل بين المدرستين فأخذ موقفا وسطا ، وحسم الجدل الفقهي القائم
بينهما
بما تيسر له من الجمع بين المدرستين بعد ان تلقى العلم وتتلمذ على
كبار
اعلامهما مثل مالك بن انس من مدرسة الحديث ومحمد بن الحسن الشيباني من
مدرسة الرأي .
دون الشافعي الاصول التي اعتمد عليها في فقهه ، والقواعد
التي التزمها في اجتهاده في رسالته الاصولية "الرسالة " وطبق هذه الاصول
في
فقهه ، وكانت اصولا عملية لا نظرية ، ويظهر هذا واضحا في كتابه " الام "
الذي يذكر فيه الشافعي الحكم مع دليله ، ثم يبين وجه الاستدلال بالدليل
وقواعد
الاجتهاد واصول الاستنباط التي اتبعت في استنباطه ، فهو يرجع اولا
الى
القران وما ظهر له منه ، الا اذا قام دليل على وجوب صرفه عن ظاهره ،ثم
الى
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى الخبر الواحد الذي ينفرد راو
واحد
بروايته ، وهو ثقة في دينه ، معروف بالصدق ، مشهور بالضبظ . وهو يعد
السنة
مع القران في منزلة واحدة ، فلا يمكن النظر في القران دون النظر في
السنة
التي تشرحه وتبينه ، فالقران يأتي بالاحكام العامة والقواعد الكلية ،
والسنة هي التي تفسر ذلك ،فهي التي تخصص عموم القران او تقيد مطلقه ، او
تبين
مجمله .
ولم يشترط الشافعي في الاحتجاج بالسنة غير اتصال سند
الحديث
وصحته ، فاذا كان كذلك صح عنده وكان حجة عنده ، ولم يشترط في قبول
الحديث
عدم مخالفته لعمل اهل المدينة مثلما اشترط الامام مالك ، او ان يكون
الحديث مشهورا ولم يعمل راويه بخلافه . ووقف الشافعي حياته على الدفاع عن
السنة
، واقامة الدليل على صحة الاحتجاج بالخبر الواحد ، وكان هذا الدفاع
سببا
في علو قدر الشافعي عند اهل الحديث حتى سموه ( ناصر السنة ) . ولعل
الذي
جعل الشافعي يأخذ بالحديث اكثر من أبي حنيفة حتى انه يقبل خبر الواحد
متى
توافرت فيه الشروط ، انه كان حافظا للحديث بصيرا بعلله ، لايقبل منه
الا
ما ثبت عنده ، وربما صح عنده من الاحاديث ما لم يصح عند أبي حنيفة
واصحابه
. وبعد الرجوع الى القران والسنة يأتي الاجماع ان لم يعلم له مخالف
،
ثم القياس شريطة ان يكون له اصل من الكتاب والسنة ، ولم يتوسع فيه مثلما
توسع الامام أبو حنيفة .
ولنتطرق الآن الى
بعضا
من أقوال الشافعي التي تبين عقيدته :
في
جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي من رواية
أبي طالب العشاري ما نصه قال وقد
سئل عن صفات الله عز وجل وما ينبغي
أن يؤمن به فقال : " لله تبارك وتعالى
أسماء وصفات جاء بها كتابه وخبر
بها نبيه صلى الله عليه وسلم امته لا يسع
احد من خلق الله عز وجل قامت
لديه الحجة ان القران نزل به وصحيح عنده قول
النبي صلى الله عليه وسلم
فيما روى عنه العدل خلافه فان خالف ذلك بعد ثبوت
الحجة عليه فهو كافر
بالله عز وجل فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر
فمعذور بالجهل لان
علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالدراية والفكر ، ونحو ذلك
اخبار الله عز
وجل انه سميع وأن له يدين بقوله عز وجل : [ بل يداه مبسوطتان
] وأن له
يمينا بقوله عز وجل : [ والسموات مطويات بيمينه ] وأن له وجها
بقوله
عز وجل : [ كل شيء هالك الا وجهه ] وقوله : [ويبقى وجه ربك ذو الجلال
والاكرام ] وأن له قدما بقوله صلى الله عليه وسلم : (حتى يضع الرب عز وجل
فيها
قدمه ) يعني جهنم . وقوله صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله
عز
وجل : ( أنه لقي الله عز وجل وهو يضحك اليه ) وأنه يهبط كل ليلة الى
السماء
الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وأنه ليس بأعور
لقول
النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذ ذكر الدجال فقال انه أعور وان ربكم
ليس
بأعور وأن المؤمنين يرون ربهم عز وجل يوم القيامة بأبصارهم كما يرون
القمر
ليلة البدر ) وأن له أصبعا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من قلب
الا
هو بين أصبعين من أصايع الرحمن عز وجل ) ، وأن هذه المعاني التي وصف
الله
بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم لا يدرك حقه ذلك بالذكر
والدراية
ويكفر بجهلها أحد الا بعد انتهاء الخبر اليه وان كان الوارد بذلك
خبرا
يقوم في الفهم مقام المشاهدة في ا لسماع "وجبت الدينونة " على سامعه
بحقيقته
والشهادة عليه كمن عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن
نثبت هذه الصفات وننفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال : ليس
كمثله شيء وهو السميع البصير ] ……….. "
وأخرج اللالكائي عن الربيع بن
سليمان
قال الشافعي : " من قال القران مخلوق فهو كافر " .
وأورد البيهقي
في مناقب الشافعي أن الشافعي قال : "ان مشيئة العباد هي الى الله تعالى
ولا
يشاؤن الا ان يشاء الله رب العالمين فان الناس لم يخلقوا اعمالهم وهي
خلق
من خلق الله تعالى أفعال العباد وان القدرخيره وشره من الله عز وجل وان
عذاب القبر حق ومساءلة أهل القبور حق والبعث حق والحساب حق والجنة والنار
حق
وغير مما جاءت به السنن " .
وأخرج ابن عبد البر عن الربيع قال : سمعت
الشافعي يقول " الايمان قول وعمل واعتقاد بالقلب ألا ترى قول الله عز وجل :
[وما كان الله ليضيع ايمانكم ] يعني صلاتكم الى بيت المقدس فسمى الصلاة
ايمانا
وهي قول وعمل وعقد " . كما واخرج البيهقي عن ابي محمد الزبيري قال :
قال رجل للشافعي : أي الاعمال عند الله افضل ؟ قال الشافعي : " ما لا يقبل
عملا الا به " قال وما ذاك ؟ قال : " الايمان بالله الذي لا اله الا هو
أعلى
الاعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا " قال الرجل : ألا تخبرني عن
الايمان
قول وعمل أو قول بلا عمل ؟ قال الشافعي : " الايمان عمل لله والقول
بعض ذلك العمل " قال الرجل : صف لي ذلك حتى أفهمه . قال الشافعي : "ان
للايمان
حالات ودرجات وطبقات فمنها التام المنتهي تمامه والناقص البين
نقصانه
والراجح الزائد رجحانه " قال الرجل : وان الايمان لايتم وينقص ويزيد
؟
قال الشافعي : " نعم " قال الرجل : وما الدليل على ذلك ؟ قال الشافعي : "
ان الله جل ذكره فرض الايمان على جوارح بني ادم فقسمه فيها وفرقه عليها
فليس
من جوارحه جارحة الا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به أختها بفرض
من
الله تعالى فمنها : قلبه الذي يعقل به ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي
لا
ترد الجوارح ولا تصدر الا عن رأيه وأمره ومنها : عيناه اللتان ينظر بهما
وأذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما
وفرجه
الذي ألباه من قبله ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه. فرض
على
القلب غير ما فرض على اللسان وفرض على السمع غير ما فرض على العينين
وفرض
على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الفرج غير ما فرض على
الوجه
. فأما فرض الله على القلب من الايمان : فالاقرار والمعرفة والعقد
والرضى
والتسليم بأن الله لا اله الا هو وحده لا شريك له لم يتخذ صاجبة ولا
ولدا وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله والاقرار بما جاء من عند
الله
من نبي او كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله [الا من
أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا ] وقال : [ ألا بذكر
الله
تطمئن القلوب ] وقال : [ من الذين قالوا امنا بأفواههم ولم تؤمن
قلوبهم
] وقال : [ وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ] فذلك
ما فرض الله على القلب من ايمان وهو عمله وهو رأس الايمان . وفرض الله على
اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقر به فقال في ذلك : [ قولوا
امنا
بالله ] وقال : [ وقولوا للناس حسنا ] فذلك ما فرض الله على اللسان من
القول والتعبير عن القلب وهو عمله والفرض عليه من الايمان . وفرض الله على
السمع ان يتنزه عن الاستماع الى ما حرم الله وان يغض عن ما نهى الله عنه
فقال
في ذلك : [وقد نزل عليكم في الكتاب أن اذا سمعتم ايات الله يكفر بها
ويستهزأ
بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا مثلهم ] ثم
استثنى
موضع النسيان فقال جل وعز :[واما ينسينك الشيطان ] أى : فقعدت معهم
[فلا
تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ] وقال : [ فبشر عباد الذين
يستمعون
القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا
الالباب ]
وقال : [ قد أفلح المؤمنون الذين هم قي صلاتهم خاشعون ] الى قوله
: [
والذين هم للزكاة فاعلون ] وقال : [ واذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ]
وقال
: [ واذا مروا باللغو مروا كراما ] فذلك ما فرض الله جل ذكره على
السمع
من التنزيه عما لا يحل له وهو عمله وهو من الايمان . وفرض على
العينين
ألا ينظر بهما ما حرم الله وأن يغضهما عما نهاه عنه فقال تبارك
وتعالى
في ذلك : [قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ] الايتين :
ان ينظر احدهم الى فرج أخيه ويحفظ فرجه من أن ينظراليه . وقال : كل شيْ من
حفظ الفرج في كتاب الله فهو من الزنا الا هذه الاية فانها من النظر . فذلك
ما فرض الله على العينين من غض البصر وهو عملهما وهو من الايمان . ثم أخبر
عما فرض على القلب والسمع والبصر في اية واحدة فقال سبحانه وتعالى في ذلك :
[ ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه
مسؤلا
]