admin المدير العام
الدولة : جمهورية مصر العربية(امــــ الدنيا) عدد المساهمات : 4099 تاريخ التسجيل : 17/11/2009 العمر : 28 تاريخ الميلاد : 01/04/1996
| موضوع: التطور النفسي والصحي على مر العصور الأربعاء 6 يوليو - 19:55 | |
| دخل الإنسان القرن الواحد والعشرين يحمل معه من القرن الماضي عبءاً ثقيلاً من المشكلات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية المعقدة، منها ما هو قابل للحل ومنها بعد جهد وتكاليف كبيرة ومنها ما هو خطر وشديد التهديد ولا يمكن حله بسهولة.
ولعل تراكم المشكلات وازديادها حدة ما هو إلا نتيجة تطور تاريخي طويل عبر العصور المختلفة، ولكن بالمقابل نجد أننا اليوم نمتلك كماً هائلاً من المعرفة والأدوات العلمية التي تجعلنا قادرين أكثر فأكثر على مواجهة المشكلات –ومنها مشكلات الصحة النفسية- التي تواجهنا ونمتلك أساليب فاعلة لمواجهة القسم الأكبر منها، على الرغم من أن كثير من المشكلات التي نواجهها اليوم غير مألوفة ومتقلبة، وقسم كبير منها يسببها الإنسان بنفسه بوعي منه أو دون وعي.
لقد اهتم الإنسان عبر العصور المختلفة من تطوره بالصحة كما نهتم بها اليوم وأدرك أهميتها كقيمة عليا، وسعى نحو تحقيقها بشتى الوسائل، غير أن مستوى المعرفة لم يكن دائماً مواز لمستوى طموحات الفرد الصحية. فالمعرفة تراكمية وهي في كل فترة أفضل من سابقتها، إلا أنها لم تكن في أي عصر من العصور موازية لمستوى معرفتنا الراهن. ومع ذلك فمستوى معرفتنا الراهن حول الصحة والمرض يدين بالدرجة الأولى لأولئك الذين لأولئك الذين سبقونا في أننا وصلنا الآن إلى هذا المستوى من المعرفة، تماماً كما سيدين لنا أبناء العصور اللاحقة في إيصال مستوى المعرفة التراكمي إلى ما استطعنا الوصول إليه، ولكن في الوقت نفسه يقع علينا اللوم لأننا مسؤولين عن الأضرار التي ألحقناها ببيئتنا وبعلاقاتنا الاجتماعية والتي سنورثها لهم دون ذنب لهم في ذلك. إننا –أبناء هذا العصر- لا نجد الكثير لنلوم فيه سابقينا من هذه الناحية.
كانت الأوبئة والأمراض المعدية غير الوبائية و الكوارث الطبيعية بأشكالها المختلفة والحروب والجوع هي المارد الجبار الذي يرعب الناس عبر العصور المختلفة ويهدد وجودهم. ومع ذلك فقد عرف الإنسان عبر تاريخه أشكالاً مختلفة من الاضطرابات والمشكلات النفسية، منها ما كان يلقى الاهتمام والرعاية ومنها ما لم يكن كذلك، أو كان لا يعد مرضاً أو مشكلة تستحق الرعاية والاهتمام. وقد سعى الإنسان سعياً حثيثاً عبر عصوره المختلفة لفهم طبيعة هذه الأمراض وأسبابها، فعرف بعضها وغابت عنه معرفة أسباب القسم الأكبر منها، ذلك أن مستوى معرفته في العصور السابقة لم يكن يتيح له التعرف على أكثر مما استطاع معرفته في ذلك الوقت، تماماً كما تواجهنا اليوم كثير من القضايا التي نقف عاجزين عن فهم أسبابها على الرغم من امتلاكنا لمستوى من المعرفة يفوق عشرات الآلاف من المرات مستوى المعرفة في العصور السابقة، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ حتى اللحظة الراهنة.
وكان الإنسان ينظر للأمراض التي تمس العقل نظرة متطابقة مع النظرة الفلسفية والدينية السائدة في ذلك العصر والمكان. فبعضها كان يعد حالة راقية من التواصل مع الآلهة، يبلغها أشخاص اختارتهم الآلهة لتحقيق أهدافها على الأرض، وبعضها الآخر كان يعد عقوبة من الآلهة لذنوب وأخطاء اقترفها الإنسان وبعضها الآخر كان يعد مسَّاً من الأرواح الشريرة. وبالتالي كانت طرق العلاج المختلفة التي ابتدعها الإنسان تتناسب مع تلك النظرة للأسباب.
أما أمراض الإدمان والأمراض الناجمة عن السلوك الصحي الخاطئ فلم تكن معروفة أو على الأقل كانت العلاقة بين السبب والنتيجة غائبة، أو أن وجود هذه الأمراض لم يكن شديداً وواسع الانتشار لدرجة اعتبارها مشكلة ملحة تتطلب الحل وتتطلب البحث عن الأسباب.
وكانت الإعاقات الجسدية والعقلية الأوسع انتشاراً، بسبب الحروب والكوارث الطبيعية، وربما كان المعوقين جسدياً أوفر حظاً من المتخلفين عقلياً، لكن الاهتمام بهم وبمشكلاتهم الخاصة وما ينجم عن إعاقاتهم من عواقب لم يحظ عبر العصور بالاهتمام الكافي وكان لابد من الانتظار طويلاً –إلى نهايات القرن التاسع عشر- كي تتاح الفرصة ونتيجة لتطور العلوم بشكل عام وظهور علم النفس كعلم مستقل و لتبدل النظرة الفلسفية للإنسان شيئاً فشيئاً، واعتبار الظواهر الاجتماعية والنفسية ظواهر خاضعة لقوانين معينة يمكن اكتشافها والتعامل معها، مثلها مثل الظواهر الطبيعية الأخرى.
2- تطور الرعاية النفسية عبر العصور
تعود الجذور الأولى للاهتمام بالصحة النفسية والوقاية من الأمراض والاضطرابات النفسية وفهم أسبابها إلى عشرات الآلاف من السنين، وليس هنا من مجال لعرض تفصيلي لهذا الأمر. ففي الصين ومصر الفرعونية وبلاد ما بين النهرين وحضارات أمريكا الجنوبية وغيرها قدمت إسهامات كثيرة ومتنوعة في محاولات فهم الأمراض والاضطرابات النفسية ، وعالجتها استناداً إلى فهمها لطبيعة الأسباب المؤدية، وحسب ما توفر لديها من أدوات ووسائل. وبغض النظر عن طبيعة تلك الإسهامات والمحاولات، وعن أنها كانت في كثير من الأحيان خاضعة لتفسيرات إما غيبية أو غير متناسبة مع الطبيعة الحقيقة للأمراض، إلا أنه يمكن اعتبارها مؤشراً لاهتمام الإنسان بالجوانب النفسية للصحة منذ القديم، ومحاولة فهم الإنسان في سلوكه وخبرته.
أما الاهتمام بالصحة النفسية بالشكل الذي نعرفه ونمارسه في أيامنا هذه فيرجع إلى العصور الوسطى، التي شهدت بعض أشكال الرعاية النفسية هنا وهناك. وشكلت هذه المساهمات النواة الأولى للتغيرات اللاحقة فيما بعد. فقد أدرك الأطباء المسلمون أهمية الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية للإنسان، فكانت دور الرعاية النفسية منتشرة في كل من دمشق وبغداد والأندلس، وكان العلاج بالعمل والموسيقى من الأساليب العلاجية الشائعة في هذه الأماكن التي كانت تطلق عليها تسمية البيمارستانات، والتي كانت تهدف إلى إعادة الاستقرار والتوازن للمرضى نفسياً.
ويبدو أن الطبيب الفرنسي وأبو الطب النفسي الحديث بينيل (Pinel) (1745-1820) قد كان مطلعاً و متأثراً بأساليب الرعاية والعلاج التي كانت متبعة في العالم الإسلامي. ففي إحدى كتاباته العائدة لعام (1819) أشار إلى أنه في عام (1425) تم في مدينة "ساراجوسا" الإسبانية إنشاء مصحة للأمراض العقلية تحت شعار الصحة للجميع، وكانت هذه المصحة تتبع أسلوب العلاج بواسطة العمل الزراعي. وكانت مثل هذه المصحات منتشرة في أنحاء عديدة الأندلس.
وربما قاده تأثره هذا، إلى جانب عوامل أخرى كثيرة، بالمطالبة في عام (1798)، بعد الثورة الفرنسية بالمطالبة بتحرير المرضى نفسياً من قيودهم، وألف كتاباً عن كيفية معاملتهم.
وفي واقع الأمر فإن المعاملة السيئة والقاسية –من وجهة نظرنا اليوم- و التي كان المرضى نفسياً يلقونها أوروبا العصور الوسطى، لم يكن ينظر إليها كذلك في تلك العصور، حيث كان الأطباء يعتقدون ربط المرضى بالسلاسل وتعريضهم للضرب وحمامات من البارد والساخن …الخ، يشكل أسلوباً فاعلاً في العلاج يساعد هؤلاء المساكين على التخلص من مرضهم.
غير أن قيمة عمل بينيل لا تحمل أكثر من قيمة تاريخية، إذ أن مناداته بتحرير المرضى، وتحرير قسم منهم بالفعل، وتأليفه كتاب حول معاملتهم، لم تقد بصورة آلية لتغيير الوضع وتبدل النظرة للمرضى نفسياً في فرنسا، إذ أن الأمر استمر لفترة طويلة على ما كان عليه. وككل التغيرات الاجتماعية كان لابد من أن يرافق هذه الدعوى تغير في الرؤية الاجتماعية للمرض والاضطراب العقلي حتى تعطي جهود بينيل وغيره ثمارها، وحتى يأتي ذلك الوقت كان لابد من الانتظار طويلاً.
وفي بلجيكا ظهر جيزلان (Guislan) الذي خفف من قيود المرضى نفسياً في عام (1835)، وشهدت هولندا والسويد مؤسسات تعتني بالمرضى عناية إنسانية. أما في إنجلترا فقد قام جون كونولي متأثراً بتعاليم بينيل بمعاملة المرضى معاملة إنسانية. وفي روسيا قام كرونسبولسكي (Zavadsky Kronoplsky) بترجمة كتاب بينيل إلى الروسية.
أما في ألمانيا فقد كانت الرعاية الإنسانية تمارس في مؤسسات قليلة فقط. ففي عام (1817) نادى كريستيان فيروناندهاينز بتحرير المرضى، وفي عام (1860) تمكن غريزينغر Grisinger ) 1817-1868) من تحرير المرضى. وفق عام (1874) افتتحت مصحة ألت-شيربيتس Alt-Scherbetz، وهي ضاحية من ضواحي مدينة لايبزغ الألمانية وما زالت تمارس عملها حتى يومنا الراهن، وكانت المصحة توفر شروطاً إنسانية في ذلك الوقت قياساً بما كان سائداً، وبدأت المفاهيم الإنسانية تدخل شيئاً فشيئاً.
ومن خلال هذه المحاولات المتفرقة، التي كانت تحصل هنا وهناك، بدأت تظهر بوادر الاهتمام والرعاية بالصحة النفسية للمضطربين عقلياً، ومعاملتهم معاملة إنسانية وتبدل النظرة إليهم.
وفي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهرت آراء نادت بالاهتمام بالجانحين والمنحرفين والمتأخرين عقلياً، ونادت بإعادة التأهيل للجانحين مثلاً كما هو الحال في فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر، أو في العيادة التي أنشأها ويتمر (Witmer) في بنسلفانيا في عام (1896)، أو في العيادة التي أنشئت لضعاف العقول في بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية (1909)، أو في معهد رعاية الأطفال الجانحين الذي أنشأه ويليم هيلي في العام نفسه في ولاية شيكاغو الأمريكية.
في العام نفسه كذلك -(1909)- تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية اللجنة القومية للصحة النفسية National Committee for Mental Health وذلك بعد سنة واحدة من نشر بيريز كتاباً يحمل عنوان "عقل يجد نفسه A mind that found it self"، والذي اهتم بنشر الوعي الصحي وبتصحيح مفاهيم الناس حول الصحة والاضطراب العقلي.
في الربع الأول من القرن العشرين ظهرت أولى محاولات قياس وتحديد الذكاء (ظهر أول مقياس للذكاء عام 1905 على يد بينيه في فرنسا)، ومن هذه البدايات انطلقت حركة القياس النفسي، التي ساعدت في التحديد الكمي للتخلف والذكاء، وتحديد معايير للصحة والمرض، و السواء والاضطراب…الخ.
في عام (1984) تأسست منظمة الصحة العالمية World Health Organization والتي يرمز لها اختصاراً WHO ومركزها في لندن ، هدفت إلى التعاون العالمي في المجال الصحي وتقديم المعونة والدعم والخبرات وتبادلها وإلى نشر الوعي الصحي.
في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حدث تطور كبير قلب المفاهيم الطبية-الفيزيائة التي كانت سائدة حول مفهوم المرض النفسي والأسباب الكامنة خلفه من خلال مدرسة التحليل النفسي التي أسسها الطبيب العصبي والنفسي النمساوي سيجموند فرويد (1856-1939). ولعل تأثير التحليل النفسي في حركة الصحة النفسية هو المعلم الأبرز في تاريخ هذه الحركة. وقد أبرزت مدرسة التحليل النفسي أهمية العمليات النفسية في نشوء الاضطراب النفسي، بعد أن ظل الاتجاه السائد في فهم طبيعة الأمراض والاضطرابات النفسية ينظر إليها نظرة فيزيائية، بمعنى أن البحث عن جذور الأمراض والاضطرابات النفسية لابد وأن يتمركز حول البحث عن العوامل العضوية، وأن لكل اضطراب أو مرض نفسي سبب جسدي وحيد. ولم يكن الأطباء يولون الجوانب النفسية والاجتماعية أهمية تذكر في نشوء الأمراض النفسية. فجاءت نظرية التحليل النفسي لتطور المفهوم الاجتماعي للمرض فأسهمت بذلك –وما زالت- في دفع حركة الصحة النفسية وفهم الأمراض والاضطرابات النفسية.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين بدأت تبرز اتجاهات أخرى كالاتجاهات السلوكية، التي تؤكد على دور عمليات التعلم ي نشوء وتطور الأمراض والاضطرابات النفسية، والاتجاهات الدينامية و الإنسانية، والسلوكية الاستعرافية (المعرفية)، وتنوعت المبادئ العلاجية المشتقة من هذه الاتجاهات لدرجة يصعب حصرها. | |
|
ملاك الروووح الادارة العامة للمنتدي
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 05/05/2011
| موضوع: رد: التطور النفسي والصحي على مر العصور الأربعاء 13 يوليو - 21:51 | |
| | |
|