أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية رجلا يحبالله ورسوله يفتح الله على يديه قال عمر رضي الله عنه : ما أحببت الإمارةإلا يومئذ فتساورت لها رجاء أن أدعى لها فدعا رسول الله صلى الله عليهوسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأعطاه إياها وقال : امش ولا تلتفت حتىيفتح الله عليك فسار على شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ : يا رسول الله علىماذا أقاتل الناس ؟ قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدارسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقهاوحسابهم على الله رواه مسلم فتساورت هو بالسين المهملة : أي وثبت متطلعا
الشرح
قالالمؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولالله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : لأعطين هذه الراية رجلا يحب اللهورسوله وفي لفظ ويحبه الله ورسوله يوم خيبر : يعني غزوة خيبر وخيبر حصونومزارع كانت لليهود تبعد عن المدينة نحو مائة ميل نحو الشمال الغربي فتحهاالنبي عليه الصلاة والسلام كما هو معروف في السير وكان الذين يعملون فيهااليهود فصالحهم النبي عليه الصلاة والسلام على أن يبقوا فيها مزارعينبالنصف لهم نصف الثمرة وللمسلمين نصف الثمرة وبقوا على ذلك حتى أجلاهم عمربن الخطاب رضي الله عنه في خلافته أجلاهم إلى الشام وإلى أزرعات قال النبيعليه الصلاة والسلام لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله الراية : هيما يسمى عندنا العلم يحمله القائد من أجل أن يهتدي به الجيش وراءه وقوله :رجلا نكرة لا يعلم من هو قال عمر بن الخطاب : فما تمنيت الإمارة إلا يومئذرجاء أن يصيبه ويلوكون ويدوكون كل منهم يرجو أن يعطاها فلما أصبحوا دعاالنبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ابن عمه قالوا : يا رسول اللهإنه يشتكي عينيه يعني عنده وجع في عينيه فدعا به فجاء فبصق في عينه فبرأكأن لم يكن به وجع في الحال والله على كل شيء قدير ثم أعطاه الراية وقالله : امش ولا تلتفت حتى يفتح الله ففعل رضي الله عنه فلما مشى قليلا وقفولكنه لم يلتفت لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : لا تلتفت فصرخبأعلى صوته : يا رسول الله على ماذا أقاتلهم قال : قاتلهم حتى يشهدوا ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله هذه الكلمة كلمة عظيمة لو وزنت بهاالسماوات والأرض لرجحت بالسماوات والأرض هذه الكلمة يدخل بها الإنسان منالكفر إلى الإسلام فهي باب الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدارسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقهاوحسابهم على الله يعني إذا قالوا : نشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسولالله فإنهم لا يقاتلون منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها أي بحق لا إله إلاالله أي بالحقوق التابعة لها لأن لا إله إلا الله ليست مجرد لفظة يقولهاالإنسان بلسانه بل لها شروط ولها أمور لابد أن تتم ولهذا قيل لبعض السلفأليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ فقال نعم مفتاح الجنة لا إله إلا اللهلكن لابد من عمل لأن المفتاح يحتاج إلى أسنان وقد صدق ـ رحمه الله ـ :المفتاح على أسنان لو جئت بمفتاح بدون أسنان ما فتح لك إذن قول الرسولعليه الصلاة والسلام إلا بحقها يشمل كل شيء يكفر به الإنسان مع قول لا إلهإلا الله فإن من كفر وإن كان يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكنهأتى بمكفر فإن هذه الكلمة لا تنفعه ولهذا كان المنافقون يقولون : لا إلهإلا الله وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم هيئتهم وشكلهم كأنهم أكمل المؤمنينإيمانا ويأتون للرسول صلى الله عليه وسلم يقولون له : نشهد إنك لرسول اللهالكلام مؤكد بثلاث مؤكدات ( نشهد ) ( إن ) و ( اللام ) في ( لرسول الله )فقال رب العزة والجلال الذي يعلم ما في الصدور والله يعلم إنك لرسولهوالله يشهد إن المنافقين لكاذبون أعطاهم شهادة بشهادة يشهد إن المنافقينلكاذبون وأكد الله عز وجل كذب هؤلاء في قولهم : نشهد إنك لرسول اللهبثلاثة مؤكدات فليس كل من قال لا إله إلا الله يعصم دمه وماله لأن النبيصلى الله عليه وسلم استثنى فقال إلا بحقها ولما منع الزكاة من منعها منالعرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واستعد أبو بكر رضي الله عنهلقتالهم تكلم معه من تكلم من الصحابة وقالوا : كيف نقاتلهم وهم يقولون :لا إله إلا الله قال رضي الله عنه : والله لأقاتلهن من فرق بين الصلاةوالزكاة الزكاة حق المال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إلا بحقهافقاتلهم رضي الله عنه على ذلك وانتصر ولله الحمد فالحاصل أنه ليس كل منقال لا إله إلا الله فإنه يمنع دمه وماله ولكن لابد من حق ولذلك قالالعلماء ـ رحمهم الله ـ : لو أن قرية من القرى تركوا الأذان والإقامةفإنهم لا يكفرون ولكن يقاتلون وتستباح دماؤهم حتى يؤذنوا ويقيموا مع أنالأذان والإقامة ليسا من أركان الإسلام لكنها من حقوق الإسلام قالوا : لوتركوا صلاة العيد مثلا مع أن صلاة العيد ليست من الفرائض الخمس لو تركواصلاة العيد وجب قتالهم يقاتلون بالسيف والرصاص حتى يصلوا العيد مع أن صلاةالعيد فرض كفاية أو سنة عند بعض العلماء أو فرض عين على القول الراجح لكنالكلام على أن القتال قد يجوز مع إسلام المقاتلين ليذعنوا لشعائر الإسلامالظاهرة ولهذا قال هنا إلا بحقها وفي هذا الحديث : دليل على أنه يجوزللإنسان أن يقول : لأفعلن كذا في المستقبل وإن لم يقل : إن شاء الله ولكنيجب أن نعلم الفرق بين شخص يخبر عما في نفسه وشخص يخبر أنه سيفعل يعنييريد الفعل أما الأول فلا بأس أن يقول : سأفعل بدون إن شاء الله لأنه إنمايخبر عما في نفسه وأما الثاني الذي يريد أنه يفعل أي يوقع الفعل فعلا فهذالا يقل إلا مقيدا بالمشيئة قال تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلاأن يشاء الله فهناك فروق بين من يخبر عما في نفسه وبين من يقول إنني سأفعلغدا غدا ليس إليك ربما تموت قبل غد وربما تبقى ولكن يكون هناك موانعوصوارف وربما تبقى ويصرف الله همتك عنه كما يقع كثيرا كثيرا ما يريدالإنسان أن يفعل فعلا إذا أو في آخر النهار ثم يصرف الله همته ولهذا قيللبعض الأعراب ـ والأعراب سبحان الله عندهم أحيانا جواب فطري ـ بما عرفتربك ؟ فأجاب أحدهم قائلا : الأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعيرفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير؟ ـ الله أكبر ـ أعرابي لا يعرف لكنه استدل بعقله هذه الأمور العظيمة ألاتدل على خالق يخلقها ويدبرها ؟ بلى والله وسئل آخر : بما عرفت ربك ؟ قال :بنقض العزائم وصرف الهمم فكيف هذا ؟ يعزم الإنسان على شيء ثم تنتقض عزيمتهبدون أي سبب ظاهر إذن من الذي نقضها ؟ الذي نقض العزيمة هو الذي أودعهاأولا وهو الله عز وجل وصرف الهمم حيث يهم الإنسان بالشيء وربما يبدأ بهفعلا ثم ينصرف لذا نقول إن في هذا الحديث دليل على أن الإنسان له أن يقولسأفعل كذا إخبارا عما في نفسه لا جزما بأن يفعل لأن المستقبل له الله لكنإذا أخبرت عما في نفسك فلا حرج