بسم الله الرحمن الرحيم
السبحة
كأداة كانت معروفة منذ عصور ما قبل التاريخ، وكانت عبارة عن خرزات أو قطع
من الزجاج أو العاج أو الأحجار الكريمة المنظومة في سلك، وقد اتخذها
الإنسان تعويذه أو للزينة، وتخصصت في هذه الصناعة بلدان محددة، مثل
البندقية التي اشتهرت بالسبح الزجاجية الملونة، والصين بسبح العاج المنقوش،
وبعد ان شاع استخدامها عند المسلمين تطورت هذه الصناعة في مصر بشكل خاص
ودخلت اليها خامات أخرى كثيرة. لكن لا شك أن التسبيح سنة بدأت منذ عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثنا القرآن الكريم عن التسبيح في كثير من
الآيات ومنها قوله تعالى «سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز
الحكيم».
والسبحة وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، ومن المرجح أنها من
صنع الصوفيين بسبب حرصهم على التسبيح بأعداد معينة، بينما التسبيح في الأصل
يتم على أصابع اليد، وغير ذلك فإن هناك ثلاثة أحجام للسبح الأول الثلث 33
حبة، وهو الأكثر انتشارا والثلثان 66 والسبحة الكاملة وتتكون من 99 حبة
بعدد أسماء الله الحسنى
والتسبيح يعني
التنزيه ونقول سبحان الله أي معناه التنزيه لله وهو نصب على المصدر كأنه
قلنا أبرىء الله من السوء براءة، وسبحان وجه الله تعالى أي جلاله، ويقال
أيضا (سبح الرجل) بمعنى قال سبحان الله
قال
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
المسبحة ليست بدعة دينية، وذلك
لأن الإنسان لا يقصد التعبد لله بها، وإنما يقصد ضبط عدد التسبيح الذي
يقوله أو التهليل أو التحميد أو التكبير، فهي وسيلة و ليست مقصودة. ولكن
الأفضل منها أن يعقد الأنسان التسبيح بأنامله أي بأصابعه.
وعلى
هذا فإن التسبيح بالمسبحة لا يعد بدعة في الدين، لأن المراد بالبدعة
المنهي عنها هي البدعة في الدين، وتسبيح المسبحة إنما هي وسيلة مرجوحة
مفضولة، والأفضل منها أن يكون عقد التسبيح بالأصابع
وقال
ابن تيمية رحمه الله :
وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه
فمن الناس من كرهه وفيهم من لم يكرهه، وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير
مكروه. وأما اتخاذه من غير حاجة أو إظهاره للناس مثل تعليقه في العنق أو
جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك، فهذا إما رياء للناس أو مظنة المراءاة
ومشابهة المرائين من غير حاجة، الأول محرم( يعني الرياء ) والثاني ( يعني
التظاهر) أقل أحواله الكراهة
و سئل سماحة
الشيخ ابن باز رحمه الله فقال:
تركها أولى، وقد كرهها بعض أهل العلم،
والأفضل التسبيح والتهليل بالأنامل، كما كان يفعل ذلك النبي صلى الله عليه و
سلم وروي عنه أنه أمر بعقد التسبيح بالأنامل و قال: " إنهن مسؤولات
مستنطقات "
تشهد
تجارة السبح في رمضان رواجا غير عادي، ويعرض الباعة بحي الحسين، أحد أهم
الأسواق بالقاهرة، أنواعا لا حصر لها، فمنها نور الصباح وفيروز ومورجان،
ورغم ان الصناعة اليدوية تضفي على السبحة طابعا فنيا يزيد من قيمتها.
******************************
سبب
تسمية السبحه
سبحان الله وبحمده سبحان
الله العظيم
جاءت تسمية المسبحة كما يعتقد
من فعل التسبيح، ويعني المجيء والذهاب، لان المسبحة لها في اليد ذهاب
ومجيء.
ففي اللغة :
سَبَّحْتُ الله
تسبيحاً وسُبْحاناً بمعنى واحد، فالمصدر تسبيح، والاسم سُبْحان يقوم مقام
المصدر.
وأَما قوله تعالى: تُسَبِّح له السمواتُ السبعُ والأَرضُ ومَن
فيهن وإِنْ من شيء إِلاَّ يُسَبِّحُ بحمده ولكن لا تَفْقَهُونَ تسبيحَهم
قال
أَبو إِسحق: قيل إِن كل ما خلق الله يُسَبِّحُ بحمده،
وإِن صَريرَ
السَّقْف وصَريرَ الباب من التسبيح، فيكون على هذا الخطابُ للمشركين وحدهم:
ولكن لا تفقهون تسبيحهم؛ وجائز أَن يكون تسبيح هذه الأَشياء بما الله به
أَعلم لا نَفْقَه منه إِلا ما عُلِّمْناه، قال: وقال قوم وإِنْ من شيء إِلا
يسبح بحمده أَي ما من دابة إلا وفيه دليل أَن الله، عز وجل، خالقه وأَن
خالقه حكيم مُبَرَّأٌ من الأَسْواء ولكنكم، أَيها الكفار، لا تفقهون أَثر
الصَّنْعة في هذه المخلوقات .
وقيل في
السبحة :
وهي ملهاة الاصابع الكسلى التي رامت ان تداعب مادة صلبة,
ومتحركة في الوقت نفسه. الاصابع لا يمكن ان تبقى ساكنة.
أهم
أنواع السبح أو المسابح كما تسمى :
عين
النمر والكهرمان وعين الهردوم والعقيق واليسر وحجر الجاد والفيروز
وجولدستون والعاجية والبايزهر والياقوت وعجو التمر هندي والابانوس
ومن
المسابح الاقل قيمة مسابح البلاستيك وحب القدرة الذي يزرع من قبل الانسان
وهناك انواع اخرى كظهر السلحفاة والكريستال المصنوع من الزجاج والمينا
والصدف .
تنقسم أنواع المسبح إالى :
خشبية:
أي التي صنعت حباتها من الخشب لسهولة الحصول على موادها الأولية وطواعية
تصنيعها
ذات طابع عطري وطريقة صنعها تقوم على عجن
مستخلصات العطور ومزجها وصبها في قوالب ذات طابع بيضوي أو كروي أو لوزي
ذات
طابع صخري وهي ما صنعت من متحجرات النباتات المطمورة في الأرض منذ زمن
بعيد، مثل ( أرز روم السوداء ( و ) السندروس ) وقد أطلق عليها اسماً محرفا
سبحة السندلوس
----------------------------------------
المسبحة
والذكر
فالذكر على السبحة مستحب، وهو
أولى إن خشي الإنسان الخطأ في العد؛ حتى يستجمع قلبه على الذكر دون تشتيت
الذهن، ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر
بالسبحة بل كان كثير منهم يعدونه بها، ولا يرون ذلك مكروهًا .
والسبحة
أداة يجوز للمسلم استخدامها في العد في الأوراد، وهي أولى من اليد إذا أمن
الإنسان الخطأ؛ لأنها أجمع للقلب على الذكر، ودل على جوازها حديث صحيح،
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
على امرأة، وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: «أخبرك بما هو أيسر عليك
من هذا أو أفضل؟» فقال : «سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله
عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو
خالق، والحمد لله مثل ذلك، والله أكبر مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك،
ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك»([1])، فلم ينهها عن ذلك، وإنما أرشدها
إلى ما هو أيسر وأفضل، ولو كان مكروهًا لبين لها ذلك.
وقد فهم
الفقهاء الجواز من هذا الحديث، فأجازوا التسبيح باليد، والحصى، والمسابح
خارج الصلاة، كعده بقلبه أو بغمزه أنامله. أما في الصلاة، فإنه يكره؛ لأنه
ليس من أعمالها. وفي الهداية : «(ويكره عد الآي والتسبيحات باليد في
الصلاة) وكذلك عد السور; لأن ذلك ليس من أعمال الصلاة, وعن أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله : أنه لا بأس بذلك في الفرائض والنوافل جميعًا؛ مراعاة لسنة
القراءة والعمل بما جاءت به السنة ([2])».
وقد وردت أحاديث
كثيرة في هذا الباب منها : ما روي عن القاسم بن عبد الرحمن قال : «كانَ
لأبي الدَّرْدَاءِ نَوًى مِنْ نَوَى الْعَجْوَةِ حَسِبْتُ عشرًا أو نحوهـا
في كيسٍ وكان إذا صلى الغَدَاةَ أقعى على فراشِهِ ، فأخذ الكيسَ فأخرجهن
واحدةً واحدةً يسبح بهن ،فإذا نَفَدْنَ أعادهنَّ واحدةً واحدةً ،كل ذلك
يسبحُ بهن»([3]).
وعَنْ أَبِى نَضْرَةَ الغفاري قال : حَدَّثَنِي شَيْخٌ
مِنْ طُفَاوَةَ قَالَ: «تَثَوَّيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالْمَدِينَةِ،
فَلَمْ أَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ
تَشْمِيرًا وَلاَ أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا
عِنْدَهُ يَوْمًا وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ وَمَعَهُ كِيسٌ فِيهِ حَصًى
أَوْ نَوًى وَأَسْفَلُ مِنْهُ جَارِيَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ وَهُوَ يُسَبِّحُ
بِهَا، حَتَّى إِذَا أَنْفَدَ مَا فِي الْكِيسِ أَلْقَاهُ إِلَيْهَا
فَجَمَعَتْهُ فَأَعَادَتْهُ فِي الْكِيسِ فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ»([4]).
وعن
نعيم بن المحرر بن أبي هريرة عن جده أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان له
خَيْطٌ فِيه أَلْفَا عُقْدَةٍ، فَلاَ يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ بِهِ ([5]) .
وروي
مثل ذلك عن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وأبي سعيد الخدري رضي
الله عنه، وأبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم والسيدة فاطمة بنت
الحسين بن علي بن أبي طالبرضي الله عنهم غيرهم من الصحابة والتابعين .
وقد
صنف في مشروعية الذكر بالسبحة جماعة من العلماء منهم الحافظ جلال الدين
السيوطي في رسالته «المنحة في السبحة»، والشيخ محمد بن علان الصديقي وسماها
«إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح»، والعلامة أبو الحسنات اللكنوي
في رسالة بعنوان «نزهة الفكر في سبحة الذكر».
ونشير إلى ما ذكره
المحققون من المذاهب الفقهية المعتمدة لتأكيد تلك المسألة رغم وضوحها :
فمن
الشافعية أجاب العلامة ابن حجر الهيتمي عن سؤال بشأنها حيث سئل رضي الله
عنه : « هل للسبحة أصل في السنة أو لا ؟».
(فأجاب) بقوله : «نعم ، وقد
ألف في ذلك الحافظ السيوطي؛ فمن ذلك ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما :
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيده ،وما صح عن صفية رضي الله
عنها ،قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف
نواة أسبح بهن، فقال : (ما هذا يا بنت حيي؟) .قلت : أسبح بهن ،قال : (قد
سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا) ، قلت : علمني يا رسول الله قال :
(قولي سبحان الله عدد ما خلق من شيء) .وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود،
والترمذي : (عليكن بالتسبيح، والتهليل، والتقديس ولا تغفلن فتنسين التوحيد،
واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات ومستنطقات) .
وجاء التسبيح بالحصى
والنوى والخيط المعقود فيه عقد عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم ،وأخرج
الديلمي مرفوعًا : (نعم المذكر السُّبحة) .وعن بعض العلماء : عقد التسبيح
بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمر. وفصل بعضهم فقال : إن أمن المسبح
الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أفضل»([6]).
ومن الحنفية قال
العلامة ابن عابدين : « (قوله لا بأس باتخاذ المسبحة) بكسر الميم : آلة
التسبيح، والذي في البحر والحلية والخزائن بدون ميم. قال في المصباح :
السبحة خرزات منظومة، وهو يقتضى كونها عربية. وقال الأزهري : كلمة مولدة،
وجمعها مثل غرفة وغرف. ا هـ . والمشهور شرعا إطلاق السبحة بالضم على
النافلة . قال في المغرب : لأنه يسبح فيها.
ودليل الجواز ما رواه أبو
داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم وقال صحيح الإسناد عن سعد بن
أبي وقاص ؛أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها
نوى أو حصى تسبح به فقال : (أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل ... )
فذكر الحديث، ثم قال : فلم ينهها عن ذلك . وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر
وأفضل ولو كان مكروهًا لبين لها ذلك، ولا تزيد السبحة على مضمون هذا الحديث
إلا بضم النوى في خيط، ومثل ذلك لا يظهر تأثيره في المنع، فلا جرم أن نقل
اتخاذها والعمل بها عن جماعة من الصوفية الأخيار وغيرهم ؛ اللهم إلا إذا
ترتب عليه رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه ، وهذا الحديث أيضا يشهد لأفضلية
هذا الذكر المخصوص على ذكر مجرد عن هذه الصيغة ولو تكرر يسيرًا كذا في
الحلية والبحر» ([7]).
وقد قال الشوكاني كلامًا بديعًا ننقله بنصه حيث
قال : « والحديثان الآخران يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى، وكذا
بالسُّبحة لعدم الفارق؛ لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأتين على ذلك، وعدم
إنكاره. والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز.
وقد وردت بذلك آثار
ففي جزء هلال الحفار من طريق معتمر بن سليمان ،عن أبي صفية مولى النبي صلى
الله عليه وسلم؛ أنه كان يوضع له نطع، ويجاء بزنبيل فيه حصى، فيسبح به إلى
نصف النهار، ثم يرفع، فإذا صلى أتى به، فيسبح حتى يمسي، وأخرجه الإمام أحمد
في الزهد، قال : حدثنا عفان، حدثنا، عبد الواحد بن زياد، عن يونس بن عبيد،
عن أمه قالت : رأيت أبا صفية رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وكان خازنًا قالت : فكان يسبح بالحصى.
وأخرج ابن سعد، عن حكيم بن
الديلم، أن سعد بن أبي وقاص كان يسبح بالحصى وقال ابن سعد في الطبقات :
أخبرنا عبد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل، عن جابر، عن امرأة خدمته، عن
فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب؛ أنها كانت تسبح بخيط معقود فيه.
وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد، عن أبي هريرة أنه كان له
خيط فيه ألف عقدة فلا ينام حتى يسبح.
وأخرج أحمد في الزهد، عن القاسم بن
عبد الرحمن قال : كان لأبي الدرداء نوى من العجوة في كيس فكان إذا صلى
الغداة أخرجها واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفدهن. وأخرج ابن سعد، عن أبي
هريرة؛ أنه كان يسبح بالنوى المجموع. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس من
طريق زينب بنت سليمان بن علي، عن أم الحسن بنت جعفر، عن أبيها، عن جدها، عن
علي رضي الله عنه مرفوعا: «نعم المذكر السُّبحة»، وقد ساق السيوطي آثارًا
في الجزء الذي سماه «المنحة في السبحة»، وهو من جملة كتابه المجموع في
الفتاوى، وقال في آخره : ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من
جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها، ولا يرون ذلك مكروهًا
انتهى» ([8]).
ومن العرض السابق نرى أن الذكر على السبحة مستحب، وهو
أولى إن خشي الإنسان الخطأ في العد؛ حتى يستجمع قلبه على الذكر دون تشتيت
الذهن .
والله أعلم