الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله
وصحبه ومن والاه، ثم
أما بعد:
فقد ثبت تحريم آلات المعازف
بالكتاب والسنة والإجماع.
أما
الكتاب فقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ
لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا
هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}
[لقمان:6]، روى شيخ
المفسرين الإمام الطبري عن عبد الله بن مسعود وهو يُسأل
عن هذه الآية،
فقال: "الغناء، والذي لا إله إلا هو"، يردّدها ثلاث مرّات،
وروي عن ابن
عباس: "الغناء وأشباهه"، وعن جابر بن عبد الله قال: "هو الغناء
والاستماع له"، وروى عن مجاهد قال: "هو الغناء أو الغناء منه، أو الاستماع
له". وعن عكرِمة قال: "{لَهْوَ الحَدِيثِ}:
الغناء".
أما
السنة: فمنها ما رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، عن
أبي مالك
الأشعري رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "ليكونن
من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف"،
فهذا
الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، حيث تضمن الإخبار عن مغيب
وقع، وتضمن أيضاً أن المعازف (آلات اللهو ـ الموسيقى) حرام لدلالة كلمة
يستحلون،
وهي لا تكون إلا للمحرم، ومنها: ما رواه ابن ماجه وابن حبان عن
أبي
مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليشربن
ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، وتضرب على
رؤوسهم المعازف
والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة
والخنازير"،
والحديث صححه الألباني في "غاية المرام"، وغيره.
ومنها
ما رواه
البزار في مسنده والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، عن أنس بن
مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوتان
ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة"، قال
المنذري
في الترغيب والترهيب: رواته ثقات، وصححه الألباني.
ومنها ما
رواه الحاكم والبيهقي والترمذي مختصراً، وحسنه، عن عبد الرحمن بن عوف أن
النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "إني لم أنه عن البكاء
ولكن
نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير شيطان،
وصوت
عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان"، والحديث حسنه
الألباني
رحمه الله.
ومنها ما رواه أبو أبو داود وأحمد وغيرهما عن
ابن
عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرم عليَّ أو حرم الخمر والميسر والكوبة، وكل مسكر
حرام"،
وفي رواية: "إن الله حرم عليكم"،
قال سفيان
-أحد رواة الحديث-: "قلت لعلي بن بذيمة: ما الكوبة؟ قال: الطبل"،
والحديث صححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند، والألباني في السلسلة
الصحيحة،
وشعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند.
أما الإجماع: فقد انعقد
إجماع
العلماء قديماً على تحريم استعمال آلات اللهو والمعازف إلا الدف،
وممن
حكى الإجماع الإمام القرطبي وأبو الطيب الطبري وابن الصلاح، وابن
القيم،
وابن رجب الحنبلي، وابن حجر الهيتمي.
قال القرطبي رحمه الله:
"أما المزامير والأوتار والكوبة فلا يُختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع
عن
أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يحرم وهو
شعار أهل الخمور والفسق، ومهيج الشهوات والفساد والمجون، وما كان كذلك لم
يشك
في تحريمه، ولا تفسيق فاعله وتأثيمه". انتهى، نقلاً عن (الزواجر عن
اقتراف
الكبائر) لابن حجر الهيتمي، وقال: الكبيرة السادسة والسابعة
والثامنة
والتاسعة والأربعون والخمسون والحادية والخمسون بعد الأربعمائة:
ضرب
وتر واستماعه، وزمر بمزمار واستماعه، وضرب بكوبة واستماعه.
وقال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة": -رداً على ابن مطهر
الرافضي
في نسبته إلى أهل السنة إباحة الملاهي-: "هذا من الكذب على الأئمة
الأربعة،
فإنهم متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو، كالعود
ونحوه،
ولو أتلفها متلف عندهم لم يضمن صورة التالف، بل يحرم عندهم
اتخاذها".أ.هـ.
وقال
ابن الصلاح في الفتاوى: وأما إباحة هذا السماع
وتحليله، فليعلم أن
الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت، فاستماع ذلك حرام
عند أئمة المذاهب
وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد
بقوله في الإجماع
والاختلاف أنه أباح هذا السماع. إلى أن قال: فإذاً هذا
السماع غير مباح
بإجماع أهل الحل والعقد من المسلمين"أ.هـ.
وللعلماء
في هذا
المسألة مصنفات مشهورة منها: "كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع"
لابن
حجر الهيثمي، ومنها "إغاثة اللهفان" لابن القيم، وله رسالة مستقلة في
حكم
الغناء، ولابن رجب رسالة في ذلك، ومن أراد الوقوف على الأحاديث القاضية
بتحريم المعازف وتخريجها وتفصيل الكلام عليها فلينظر كتاب: " تحريم آلات
الطرب
" للشيخ الألباني رحمه الله، والله أعلم.