معاشر
الإخوة: وإنه مما ابتلي به السواد العظيم من
أمة الإسلام في هذا الزمن أنها
أصبحت تأخذ كل ما يساق إليها، وتعبُّ من
كل وارد يأتيها، ناسية أو متناسية
أن لديها ثوابت عقدية، وقواعد شرعية
وضوابط ربانية، تضبط ما يؤخذ من الأمم
الأخرى ويُقبل، وما يحذر منه
ويعرض عنه ويُهمل.
ومما يزيد الظلام ظلمة والعقدة عُقَدًا: أن
يكون ميل الآخذين من الغير إلى
التافه الحقير من فنون ما يسلب الأخلاق،
ويدمر القيم ويُذل الأمة ويكرّس
العبودية، أما أن يأخذ من غيرنا سرّ
التفوق وإكسير القوة والنافع المفيد؛
فذاك القوم عنه غافلون.
عباد
الله: إنه التشبه بالكفار وتقليدهم، والسعي وراءهم في استعباد فكري
وخنوع
معنوي وتبعية مهينة، والله سبحانه ينادي: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي
مُسْتَقِيمًا
فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ
عَنْ
سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
[الأنعام:153].
ولكن
صدق رسول الله كما في الصحيحيـن: "لتتبعنَّ سنن الذين من قبلكم شبرًا
بشبر
وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جُحر ضبّ لسلكتموه"، قالوا: اليهود
والنصارى؟
قال: "فمن؟!".
لله درك قلت -يا رسول الله- حقًا، وتلفّظت
صدقًا، خرجت أجيال من المسلمين
لا تفكّر إلا بعقول الأعداء، ولا تبصر
إلا بأعينهم، راسخٌ في نفوسها -شعرت
أم لم تشعر- أن الحق ما جاء من عند
عدوها، والباطل لا يكون عندهم، مقاييس
الحق والصدق والأدب ما قررته
نظريات الغرب ومناهجه.
وحتى لا يكون كلامنا هذا ضربًا من القيل
والقال، ولا تلاعبًا بالأقوال؛
فهلمَّ إلى شارع حياتنا لنلقي الضوء على
شواهد ظاهرة، وخواطر شاهدة على
انسياق بعض بني جلدتنا خلف تقليد
الكفار والتشبه بهم؛ فمنها:
والفتنة
بهن سنة بني إسرائيل، "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة
بني
إسرائيل كانت في النساء"، ولا يخفى على من له أدنى بصر السباقُ المحموم
الذي تتسابقه كثير من النساء لهثاً وراء تقليعات الغرب، وركضًا في كشف ما
أمرت
بستره، رويدًا رويدًا حذو القذة بالقذة.
وكذلك
الأعياد الوطنية والقومية التي تزداد يومًا بعد يوم بين المسلمين،
وكذا
أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، وعيد الحب وهو من آخر ما ابتليت
به
أمة الإسلام، الذي يحتفي به قِطاع من شباب الأمة وفتياتها، يرتدون فيه
الملابس
الحمراء ويتبادلون الورود الحمراء، سبحان ربي، تشبّه ظاهر، وتفرنج
معلن،
يقول سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان:72].
قال
جمع من السلف: "أي: لا يحضرون أعياد الكفار"، بل وبعضهم يستسهل
تهنئتهم،
يقول ابن القيم -رحمه الله- فيمن هنأهم بأعيادهم: "إنه إن سلم من
الكفر
قائله فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئهم بسجودهم للصليب".
إنك
لتأسى أشدَّ الأسى ويُكلم فؤادك عندما ترى عددًا من شباب الأمة الذين
هم
أملها يرتدون ملابس الكفار، بل يشهرونها ويعدّونها تحضراً ومدنية،
وأناقة
وتقدمية.
انظر إلى قبعاتهم التي يرتدونها على رؤوسهم؛ بل حتى
مع الثياب؛ ألا
فليعلموا أن هذه من خصائص بني يهود في لباسهم، انظر إلى
فنايلهم التي تعجّ
بالكلمات الأعجمية، وقد يكون منها ما هو دعوة للزنا
أو الحرام وهو لا يعلم.
بل يعلق بعضهم على صدره صور أهل الشذوذ
ال***ي والعفن الفني، ووالله إنّ
قلبك ليتقطع مرارة عندما ترى إمعان
هؤلاء الشباب في ذلك، سلاسل حول رقابهم،
وأشكال مراكبهم، فأين العزة يا
مسلمون؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.
وكذا النساء، وكفاك أن
مجلات الأزياء اللاتي يسمرن أعينهم فيها تؤخذ
موديلاتها من الغرب والله
المستعان، فأين هؤلاء من رسول الله، كما في صحيح
مسلم عندما رأى على
رجل ثوبين معصفرين قال له: "إن هذه ثياب الكفار فلا
تلبسها". وهذا
فاروق الأمة عمر بن الخطاب كتب للمسلمين المقيمين ببلاد
فارس: "إياكم
وزي أهل الشرك" رواه البخاري.
1- العصبية إلى قوم أو
إلى مذهب أو إلى بلد أو قبيلة، وهذه العصبيات
البغيضة جعلت المسلمين
في هذا الزمن يرفعون لواء القوميات المقيتة
والوطنيات الضيقة، التي
جعلت المسلمين شعوبًا وفرقتهم أممًا، ناهيك عمّن
يشمخ بأنف الكبر
والخيلاء لأنّه من قبيلة كذا وكذا، يوالي ويعادي على ذلك،
وفي الحديث
الصحيح في سنن أبي داود وغيره يقول: "ليس منا من دعا إلى عصبية،
وليس
منا من قاتل لعصبية، وليس منا من مات على عصبية".
2- تبرج النساء
والافتتان بهن، وهذا -وربي- من أفتك الأمراض الخلقية التي
تبتلى بها
الأمم وتنهار بسببها الحضارات، وتبرّجُهن سمة الكفار، (وَلا
تَبَرَّجْنَ
تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) [الأحزاب:33].
3- الاحتفال
والاحتفاء بأعياد الكفار، وكذا الأيام والأسابيع التي
ابتدعوها، وهي من
أشد وأخطر ما تساهل فيه المسلمون، فمن الاحتفال بالمولد
النبوي، إلى
الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وهذه كلها أحدثت محاكاة
للكفار.
4- تقليد الكفار بلباسهم، ويا لله هذا -وربي- بحر لا ساحل له،
ألوانه شتى،
ونماذجه هنا وهناك، نرى بأم أعيننا محاكاتهم للكفار
وتقليدهم فيها