[right] السلام عليكم
قال تعالى "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً " الاسراء 70
وفيه أن بنى آدم قد فضلهم الله على كثير ممن خلق .... والاسم الموصول "من" يدل على العقلاء ، أى أن بنى آدم قد فضلهم الله على الجن وعلى كثير من الملائكة ... هؤلاء هم العقلاء، وهم يفضلون بعض الملائكة فى كثير من النواحى مثل كونهم أعقد فى الخلق ... فالملائكة من نور أما الانسان من مادة ونورمعا...كما أن الانسان مُفضل بكونه مختارا .
وهو- الانسان - يفضل الجن فى أن اختياره متعدد المراحل ... بل إن أخطأ فى اختياره فله أن يرجع عن خطأه ويتوب .... أما الجن فله اختيار واحد ليس له الرجوع عنه .
أما فيما بين بنى آدم وبعضهم فقد فضل الله بعضهم على بعض ... قال تعالى " ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً" الاسراء 21 ، وهذا واضح لكل ذى قلب ، وهو مكتسب بالعمل فيعطى الله العامل ثمرة عمله فيرفعه بها درجة ....
اقرأ قوله تعالى " وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ " هود 3 ، وفيه أن الفضل يكون بالعمل مخلصا لله متبعا منهجه ثم تستغفر مما شاب عملك من خلل أو تقصير وتتوب عما وقع فيه من مخالفة للشرع ، فإذا فعلت نلت المتاع الحسن فى الدنيا ، ويثيبك الله فضلا من جنس عملك .
وانظر إلى نموذج لمن أقروا أن ماهم فيه هو فضل من الله "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ " النمل 15 ، لقد فُضلا بالعلم -كما فى الآية - ، وحمدا الله على ذلك ... ولكنهما أقرا أنهما ليسا أعلم المؤمنين ... إذ أنهما فُضلا على كثير من المؤمنين وليس على كل المؤمنين .
والتفضل هو اجتهاد من الانسان أن يحصل على فضل من الله كما قال قوم نوح عنه "فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ " المؤمنون 24 ،
إذن يمكن للانسان أن يضع نفسه فى درجة أعلى بالاجتهاد فيما يريد أن يتفضل فيه .. علما كان أو جاه أو مال أو ..
ولكن الأهم
هو أن يعلم أن " ....وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً " ، ودرجات الآخرة مترتبة على العمل فى الدنيا ... فاحرص أخى أن تكون فى درجة أفضل فى الآخرة .
وقد يُحاجج أحدهم فيقول : أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، أى هو محض فضل ... إذا أتاه فلان لايكون ذلك عن داعية
فأقول لهذا ... لا بل إن مشيئة الله بالحق فلا يؤت فضله إلا لمن حقق شروط كى يؤتيه الله من فضله .... وتدبر خطأ من تصوروا أنه طالما آتاهم الله من فضله فهو مقصور عليهم فقط "وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " آل عمران 73
وانظر أيضا كيف استحق المجاهدون الفضل وكيف نالوه " يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " المائدة 54 ، لأنهم أحبوا الله واتبعوا شرعه وجاهدوا لنصرته .
وقد كان ختام الآيتين "...وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " أى أنه سبحانه عنده من الفضل ما يسع الناس كلهم وإن كانوا فى أعلى الدرجات ، كما أنه عليم بمن يستحق الفضل وأى درجة يستحق ،
.........