نماذج للتدبر الصحيح للقرآن

السلام عليكم
لقد أُنزل القرآن بلسان عربيّ مبين
ولا يتصور أن نحقق تدبرا يؤدى إلى نتيجة إلا من خلال وعى كامل بهذا اللسان العربى المبين ، وألا نحيد بالمعانى عن مقتضى ظاهرها بغير دليل واضح وسلطان مبين .
مثلا ... فى قوله تعالى " لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ " البلد 4 ، تقريبا توافق المفسرون على تفسير كلمة "كبد " على أنها مشقة ، .. ولكن المتدبر يجد أن هذا المعنى يجعل الآية لاعلاقة لها بالآية بعدها "أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ " البلد 5 .. فإنه إن كان فى معاناة ومشقة ... فلماذا حسب أنه لن يقدر عليه أحد ؟!
إذن المنطقى أن الانسان حسب أنه فى راحة وقوة وقدرة جعلته يحسب أنه لن يقدر عليه أحد ... وذلك بصحته وقوة بنيانه واللتان خلقهما الله فيه أو خلقه فيهما ، .... أى أن الانسان حسب أن لن يقدر عليه أحد بسبب كونه مخلوق فى كبد
كما أن ذلك بسبب كونه ذا مال ... ويهلك من ماله كيف يشاء .
ومن يهلك مالا كيف يشاء لايقال أنه فى معاناة ومشقة
إذن تفسير كلد على أنه مشقة لايصح
ولذلك تجد المفسرين عند تفسيرهم الآية 5 جعلوا معنى كبد هو الشدة
اقرأ لابن عادل :
قوله: { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } ، أي: أيظنّ ابن آدم أن لن يحاسبه الله عزَّ وجل قال ابنُ الخطيب: إن فسرنا الكبد بالشدة والقوة، فالمعنى: أيحسب الإنسان الشديد أن لشدته لا يقدر عليه أحد؟ وإن فسرنا بالمحنة، والبلاء، كان المعنى: أنَّ الإنسان كان في النعمة، والشدة، أي: أفيظنّ أنه في تلك الحالة لا يقدر عليه شيء، فهو استفهام على سبيل الإنكار.
إذن مامعنى كلمة كبد ؟! ولماذا سُمى أحد أعضاء أجسامنا " الكبد " ؟
........
أُؤجل الاجابة لمداخلة تالية إن شاء الله
.....
نموذج آخر
قد يحتاج تدبر بعض الآيات إلى فهم كيفية حدوث أمر ما
فمثلا ... فى تفسير سورة العصر يجب أن نفهم كيف كان الانسان فى خسر .....
نقرأ من تفسير اللباب فى علوم الكتاب لابن عادل الحنفى قال :
قوله: { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } ، هذا جواب القسم، والمراد به العموم بدليل الاستثناء منه، وهو من جملة أدلة العموم.

وقال ابن عباس في رواية ابي صالح: المراد به الكافر.

وقال في رواية الضحاك: يريد جماعة من المشركين الوليد بن المغيرة والعاص ابن وائل والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى والأسود بن عبد يغوث. وقوله تعالى: { لَفِى خُسْرٍ } أي: لفي غبنٍ.

وقال الأخفش: لفي هلكة.

وقال الفراء: لفي عقوبة، ومنه قوله:
{ وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً }
[الطلاق: 9]، وقال الفراء: لفي شرّ.

وقيل: لفي نقص، والمعنى متقارب.

وقرأ العامة: " لفي خُسرٍ " بسكون السين، وزيد بن علي، وابن هرمز، وعاصم في رواية أبي بكر، وزاد القرطبيُّ: الأعرج، وطلحة، وعيسى الثقفي: بضمها. وهي كالعسر واليسر، وقد تقدم في البقرة، والوجه فيها الإتباع، ويقال: خسْر وخسُر مثل عسْر وعسُر.

وقرأ علي بن أبي طالب: " والعصر ": ونوائب الدهر، { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ }؛ وإنه فيه إلى آخر الدهر.

قال إبراهيم: إن الإنسان إذا عُمِّرَ في الدنيا وهرم لفي نقص، وضعف، وتراجع إلا المؤمنين، فإنهم يكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم، ونظيره قوله تعالى:
{ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ }
[التين: 4، 5]. قال: وقراءتنا: " والعصر إنّ الإنسان لفي خُسْر فإنه في آخر الدهر ". والصحيح ما عليه الأمّة والمصاحف.

[وقيل: المعنى أن الإنسان لا ينفك عن تضييع عمره؛ لأن كل ساعة تمر بالإنسان، فإن كان في المعصية، فالخسر ظاهر، وكذلك إن مرت في مباح، وإن مرت في طاعة فكان يمكن أن يأتي بها على وجه أكمل أي من الخشوع، والإخلاص، وترك الأعلى، والإتيان بالأدنى نوع خسران، والخسر والخسران مصدران، وتنكير الخسران إما للتعظيم، وإما للتحقير بالنسبة إلى خسر الشياطين، والأول أظهر، وأفرد الخسر مع كثرة أنواعه؛ لأن الخسر الحقيقي هو حرمان عن خدمة ربه سبحانه، وما عدا ذلك فالكعدم، وفيه مبالغات، ودخول " إن، و اللام " ، وإحاطة الخسر به، أي: هو في طريق خسر وسبب خسر].

ونخرج منه بعدة حقائق
أولا :أن كلمة الانسان فى الآية تفيد عموم الانسان ... لاشخص بعينه ولاقوم بعينهم ، ولافاعل لفعل بعينه ، إنما هى عامة ، وبهذا يتبين خطأ من اعتبره الكافر أو فلان من الناس
ثانيا : أن الخسر واقع على الانسان كل الانسان مالم يؤمن ويعمل الصالحات ويتواصى بالحق ويتواصى بالصبر
ثالثا : أن الخسر الذى يجمع الناس كلهم لايمكن أن يكون خسر فى المال أو المكان أو الصحة أو .... الخ ، ولكنه العمر حيث أن الأجل مسمى لايزيد ولاينقص .... والزمن بينك الآن وبين أجلك المسمى فى تناقص لاشك
فلماذا كان تناقصه خسر؟ ....لأنك محاسب عليه
ولكى تنجو من الخسر كن من "..... ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ " العصر 3
رابعا : أورد المفسر عدة معان للخسر وقال أنها متقاربة هى هلكة ،غبن ، شر ، عقوبة ، نقص .....، فهل تراها أخى متقاربة ؟... وإن كانت اجابتك بالنفى فأيها هو المعنى الصحيح ؟
ولقد وردت مصادر فى القرآن من الجذر "خَسَرَ " ومشتقاته منها خُسر ، تخسير، خسارا ، خسران
فما الفرق بينها ؟
نجيب فى مداخلة تالية إن شاء الله