بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المدرسة الانتشارية
المدرسة الانتشارية : انطلقت تلك المدرسة من فكرة أن الثقافة
كثيراً ما تكون مستعارة * حيث تنشأ في مركز واحد أساسي تنتقل بعده إلى
المراكز الأخرى عبر مجموعة من العوامل * و يضيف أصحاب هذه المدرسة أنه إذا
ما دققنا في المسألة وجدنا أنه لم يكن هناك إلا عدد محدود من المراكز
الهامة التي عملت على تنمية الثقافة و نشرها كما أن المواصفات المنتشرة قد
تخضع خلال عملية الاستعارة و الاستيعاب إلى تغييرات و تبدلات كثيرة * و
بالتالي فإن مفهوم الصدفة التاريخي في انتشار المساهمات الحضارية يلعب
دوراً فعّالاً و مواجهاً لمفهوم الامتداد الطبيعي و الحتمي للمؤسسات
الاجتماعية المرافق لأفكار التطوريين * و هناك ثلاث وجهات أساسية عبرت عن
وجهة نظر تلك المدرسة أولها إنكليزية : و مؤسسها هو غرافتون إليوت سميث
عالم التشريح الشهير الذي انكب خلال إحدى فترات حياته على دراسة المومياء
المصرية و هذا قاده إلى الإقامة في مصر الذي أدهشته حضارتها و أخذ يلاحظ
بأن الثقافة المصرية القديمة تضم عناصر كثيرة يبدو أن لها ما يوازيها في
ثقافات بقاع أخرى من العالم * فقلبت نظريته الاعتبارات التقليدية للزمان و
المكان * و لم يقتصر على القول بأن العناصر الثقافية المتشابهة في حوض
البحر المتوسط و إفريقيا و الشرق الأدنى و الهند ذات أصل مصري * بل ذهب
للقول أن العناصر المماثلة في ثقافات إندونيسية و بولينيزيا و الأمريكيتين
تتبع نفس المصدر أيضاً * فالحضارة المصرية بدأت على ضفاف النيل قبل 5
آلاف عام قبل الميلاد و بعد أن بدأت الاتصالات بين الجماعات و الشعوب
انتقلت بعض مظاهر تلك الحضارة إلى بقية العالم * و هكذا يجعل سميث من
الاقتباس الوسيلة الوحيدة تقريباً التي يمكن من خلالها أن تتم عملية
التغير الثقافي و هذا يعني أن مقدرة الإنسان على الاختراع معدومة تقريباً و
ينجم عن ذلك رفض فكرة تعدد الأصول * و يتوقف الكثير من براهين سميث على
تأويل المعلومات بطريقة المقارنة مع المركز * و كمثال نرى أنه ينطلق من
سؤال بناء الأهرامات * متى يكون الأهرام أهراما حقاً بالمعنى الحصري ؟ هل
الأهرام المستخدم كقاعدة تبنى فوق المعبد كما هو الحال في المكسيك هو عنصر
ثقافي مماثل للمبنى الهرمي الذي أنشئ كنصب لملك متوفى و خصص لكي يضم
رفاته للأبد ؟ و إذا افترضنا وحدة أصل جميع الأهرامات فإن هذه الفرضية
ستطبق على حالات أصغر فأصغر إلى الحد الذي تعتبر معه المصاطب الحجرية و
التلول الأرضية في وادي الأوهايو هي بقايا أو أشكالاً هامشية من الأهرامات
* إن تلك النظرة المتطرفة التي تهمل عناصر المكان و الزمان و تلغي قدرات
الإنسان المبدعة جاعلة من الاقتباس المبدأ الوحيد للتغيير الثقافي أضعفت
من نفوذ تلك النظرية بحيث لم تتعدى إنكلترا موطن منشؤها * و ثاني وجهات
نظر تلك المدرسة هي ألمانية نمساوية : و هي نظرة أكثر عمقاً من التي
سبقتها من أبرز مؤسسيها وولهم شميدث و فريتر جرايبنور الذين رفضوا فكرة
المنشأ الواحد للحضارة و افترضوا وجود عدة مراكز حضارية أساسية في العالم
نشأ عن التقائها نوع من الدوائر الثقافية حيث حصلت بعض عمليات الانصهار و
التشكيلات المختلفة . أما وجهة النظر الثالثة فهي أميركية : عبر عنها
فرانز بواس الذي أكد أن المسألة الأساسية التي يجب أن تعالج في دراسة
الثقافة ليست حادثة الاحتكاك الثقافي بين شيئين بقدر معرفة ما هي نتائج
هذا الاحتكاك الديناميكية المؤدية للتغير الثقافي * فاقتصرت تلك النظرة
بالتأكيد على صفة الوقائع الدينامية للثقافة أكثر من إعادة تركيبها
تركيباً وصفياً * و بذلك رفض هذا الاتجاه الزعم بعدم إمكانية التطور
المستقل * و بأن الناس بطبيعتهم غير مبتكرين * و يؤكد بواس على أن تسجيل
العناصر المتماثلة في ثقافات متباينة لا يمكن له أن يشكل بحد ذاته برهاناً
مناسباً عن الاحتكاك التاريخي * بل يجب أن تتضمن التشابهات عناصر متماثلة
مرتبطة فيما بينها بصورة متماثلة لكي تعتبر دليلاً على الانتشار * زد على
ذلك أن هذا يجب أن يكون ضمن منطقة محدودة فقط حيث لا يصعب افتراض قيام
الاتصال بين المقتبسين و المقتبس عنهم * و هكذا أكد هذا الاتجاه على ضرورة
دراسة الثقافات اللاكتابية و اتباع طرق البحث الميداني ذي المعايير
الدقيقة و ذلك من وجهة نظر أعضاء الجماعة المدروسة لا من وجهة نظر
الأثنوغرافي بحيث شجع على دراسة اللغات الوطنية و استعمالها بالبحث * و
بهذا يكون هذا الاتجاه قد دفع بالدراسة الميدانية للأنثروبيولوجيا دفعاً
جديداً . كما دفع البحث الأنثروبيولوجي إلى تأكيد دراسة المجتمعات الأولية
لذاتها لا كما نراها نحن * و هذا شجع على ظهور اتجاه جديد في
الأنثروبيولوجيا قائم على إدخال الآليات النفسية في الدراسات
الانثربيولوجية ممثلاً بمدرسة جديدة