كيف نفهم الصيرورة التاريخية للمجتمعات البشرية؟ و بأي معنى تكون المعرفة بالتاريخ ممكنة ؟
يبين ريكور بان المعرفة التاريخية
ليست معرفة معطاة بقدر ما هي معرفة مبنية حسب منهج مفكر فيه من طرف المؤرخ
.و إذا كان هذا المنهج يتشابه مع منهج العلوم الحقة ..فانه مع ذلك يبقى
منهجا خاصا ...نظرا لطبيعة الموضوع أما ارون فيرى بان المعرفة التاريخية بالماضي تختلف عن المعرفة
بالحاضر فإذا كانت الأولى تطرح العديد من الصعوبات و تتطلب جهدا منهجيا في
بنائها ....فان الثانية تتميز بالتلقائية ... أما التاريخ حسب هنري مارو
لايتحدد بكونه سردا لحوادث الماضي و لا بوصفه عملا أدبيا يطمح إلى إعادة
كتابة الماضي الإنساني .بل أن التاريخ معرفة علمية يعمل المؤرخ على إنشائها
عن الماضي و ذلك بالاستناد على منهج علمي دقيق.....ومن هنا السعي إلى وضع
أسس علمية للمعرفة التاريخية
عكس التصورات التي تربط التاريخ بالمعرفة العامة..أما غرانجي فيرى إن
التاريخ ليس علما من العلوم الإنسانية ومن هنا قوله "-أن ميل التاريخ إلى
ما هو جمالي يجعله يدخل في إطار الرواية .و التاريخ ليس علما بل هو عبارة
عن إيديولوجية رغم ما يحظى به من اهتمام كي يصبح موضوعيا"-
التاريخ و فكرة التقدم
هل يرسم تراكم التجارب البشرية و تسلسل أحداثها و جهة محددة للسيرورة التاريخية ؟
يبين ماركس بان التاريخ يتقدم بفعل التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات
الإنتاج. وينتهي هذا التناقض بميلاد مجتمع جديد. و بالتالي تاريخ جديد.
أما ميرلوبونتي فيقول انه إذا كان التاريخ يتقدم وفق منطق محدد وخاضع
للضرورة. فان هذا لا ينفي دور العرضية الذي يبقى أساسا في التاريخ.
أما ادوارد كار فينطلق من رفع اللبس القائم بين مفهومي التطور والتقدم.
معتبرا أن المفهوم الأول ذو حمولة بيولوجية يشير إلى النشوء و الارتقاء. في
حين يرتبط مفهوم التقدم بأفق سوسيو-تاريخي. ولا يتجه إلى خط مستقيم.
متواصل. لا توقف ولا انعطاف فيه. بل يتسم بالانقطاع و عدم الاستمرارية.
في حين أن هربرت ماركوز يميز بين وجهين لمفهوم التقدم التاريخي : تقدم كمي
يتمثل في تنامي معارف الإنسان و مراكمة قدراته و خبراته في اتجاه تملكه
للطبيعة وسيطرته على موضوعاتها. وتقدم كيفي أو نوعي يتمثل في تقدم التاريخ
الإنساني صوب تحقق الحرية الإنسانية . وصوب تحقيق ماهية الإنسان.
و يرى ليبنز بان معالجة فكرة التقدم في التاريخ تتم بالتركيز على عدم
قابليته للاكتمال لأنه سيرورة لا متناهية. ومن هنا لا يتفق ليبنز مع
أولئك الذين يعتقدون أن التاريخ هدفا يمثل مبتغاه و كماله و بالتالي
نهايته.
ويؤكد ليفي ستروس بان "- التضاد بين ثقافات تقدمية وثقافات سكونية يبدو ناجما عن اختلاف في زاوية النظر قبل كل شيء