آحبائى تعالوا نعرف مع بعض ماهى الوصية الواجبة وحكمها
للشيخ محمد صالح المنجد
في
بعض البلاد يوجد في نظام الميراث ما يسمى بالوصية الواجبة ؟ فهل لها أصل
في الشرع ؟ وهل المال المأخوذ بها حلال ؟
الحمدلله والصلاه والسلام علي سيدنا ومصطفنا محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاوات والتسليم اما بعد:-
أولاً :
في بعض البلاد الإسلامية تأخذ المحاكم بهذا القانون ، وفيه اقتطاع جزء من التركة ويُعطى للأحفاد باسم "الوصية الواجبة" .
وحاصل ما عليه هذا القانون : أن الوصية تجب لأهل الطبقة الأولى من أولاد
البنات ، ولأولاد الأبناء وإن نزلت طبقاتهم بشرط ألا يكون بينه وبين الميت
أنثى ، وصية بمثل ما كان يستحقه والدهم ميراثا في تركة أبيه لو كان حيا
عند موت الجد .
شروط الوصية الواجبة : ــ
1- 1ـ ألا يزيد عن الثلث، فإن زاد عن الثلث أخذ الأحفاد الثلث فقط.
2- أن يكون الحفيد غير وارث .
3- ألا يكون الجد الميت قد أعطاه قدر ما يجب له بوصية أو تبرع أو غير ذلك .
2- الأصل الشرعي لهذه الوصية :
3- قالت
المذكرة التفسيرية في الأصل الشرعي لهذه الوصية : "القول بوجوب الوصية
للأقربين غير الوارثين مروي عن جمع عظيم من فقهاء التابعين ، ومن بعدهم من
أئمة الفقه والحديث ، ومن هؤلاء : سعيد بن المسيب والحسن البصري وطاووس
والإمام أحمد وداود والطبري وإسحاق بن راهويه وابن حزم ، والأصل في هذا
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ
أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) البقرة/180 ، والقول بإعطاء جزء من مال المتوفى للأقربين غير الوارثين على أنه وصية وجبت في ماله إذا لم يوص له مذهب ابن حزم ، ويؤخذ من أقوال بعض التابعين ، ورواية في مذهب الإمام أحمد " انتهى .
4- وهذا النص يفيد أمرين :
5- الأول : وجوب الوصية .
والآية تفيد وجوب الوصية من وجهين :
1- لفظ : (كتب) فإنه بمعنى : فُرض .
2- قوله : (حقا على المتقين) فهو من الألفاظ التي تدل على الوجوب .
6- الثاني : أنه إذا لم يوص ، فإنه تنفذ الوصية بغير إرادته ، بحكم القانون ، ونسبوا هذا إلى ابن حزم رحمه الله ، وسيأتي أن ابن حزم لم يقل بهذا التفصيل الذي قال به القانون .
7- وقد اختلف العلماء في هذه الآية هل هي منسوخة أم لا ؟
فذهب الجمهور إلى النسخ ( ومنهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ) ، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة :
1- أن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من لم ينقل عنهم وصايا ، ولم ينقل
نكير لذلك ، ولو كانت واجبة لم يخلوا به ، ولنقل عنهم العمل بها نقلاً
ظاهراً .
2- أن الوصية عطية ، والعطية لا تجب في الحياة ، فلا تجب بعد الوفاة .
3- أن الوصية للوارث نسخت بآيات المواريث عند الجمهور ، أو نسخت بحديث : (
لا وصية لوارث ) عند بعض العلماء ، فنُسخت هذه الآية في جملة معناها
وأحكامها ، ومن أحكامها : الوصية للأقارب .
وقال ابن عبد البر رحمه الله : "أجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا طائفة شذت فأوجبتها" انتهى من "التمهيد" (14/292) .
وروى أبو داود (2869) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : ( "إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ" فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وذهب بعض السلف ، (وقال به ابن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه)
إلى أن الآية ليست منسوخة ، بل خُصَّ منها الوصية للأقارب الوارثين ،
وبقي الوجوب في حق غير الوارثين .
فهذه الآية تُخَصُّ إما بآيات المواريث، أو بحديث: ( لا وصية لوارث).
انظر: "المغني" (8/391)، "المحلى" (9/312).
الانتقادات الموجهة إلى هذه الوصية القانونية
الانتقاد الاول:-
1- وهذه الوصية – وإن كانوا هم يسمونها "وصية" – إلا أنها في حقيقة الأمر "ميراث" .
ولذلك قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "شرح قانون الوصية" (ص 239) بعد أن
ذكر أحكام الوصية في القانون ، قال : "هذه خلاصة أحكام الوصية الواجبة . .
. وهذه الأحكام في غايتها ومرماها وفي الغرض منها والسبب الباعث عليها
تنحو نحو الميراث ، فالقانون جعل بهذه الوصية لأولاد من يموت في حياة أبويه
ميراثاً مفروضاً ، هو ميراثه الذي كان يستحقه لو بقي بعد وفاة أصله ، على
ألا يتجاوز الثلث ، وإذا كان هذا غاية القانون ، فكل الأحكام تتجه إلى
جعل هذه الوصية ميراثاً ، ولذا تجب من غير إيجاب ، وإذا وجبت صارت لازمة ،
لا تقبل عدم التنفيذ ، وبذلك تشابهت مع الميراث" انتهى .
وإذا كانت ميراثا فهي باطلة بطلانا قطعيا ، لأن الله تعالى قد قسم المواريث بنفسه وبينها في كتابه تفصيلا ، ثم قال : ( تِلْكَ
حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ
حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء/13-14 .
فهذه الوصية الواجبة ما هي إلا استدراك وتعديل على حكم الله تعالى ، وكفى بهذا إثما وضلالا مبينا ، فإنه لا أحد أحسن حكما من الله عز وجل ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50.
الانتقاد الثاني :-
2- الآية التي استدلوا بها على مشروعية هذه الوصية ،
قد خالفوها من ثلاثة أوجه
الأول: قوله تعالى : ( إن ترك خيرا ) فهذا تقييد للأمر بالوصية فلا يؤمر بالوصية إلا من ترك خيرا
، وهو المال الكثير . قاله علي وابن عباس رضي الله عنهم ، وقد اختلف
العلماء في مقداره ، واختار ابن قدامة رحمه الله أن المراد بذلك المال
الكثير الذي يفضل منه شيء بعد إغناء الورثة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم
علَّل المنع من الوصية بأكثر من الثلث بقوله : (أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) رواه البخاري (1296) ومسلم (1628). انظر : "المغني" (8/391) .
فهذا القيد (إن ترك خيرا) شرط للوجوب كما هو ظاهر ، والقانون أهمل هذا
الشرط ، وأعطاهم جزءاً من التركة سواء ترك الميت مالاً كثيراً أم قليلاً .
الوجه الثاني : قوله تعالى : (والأقربين) عام في جميع الأقربين ، فيشمل الأحفاد والإخوة وأولادهم ، والأعمام والأخوال وأولادهم ، وغيرهم من الأقارب ، فتخصيصه بالأحفاد مخالفة أخرى للآية .
الوجه الثالث : الآية لم تحدد الوصية بقدر معين ، لا نصيب الأب ولا غيره ، فإذا أوصى الرجل مثلاً لحفيده بالسدس فقد امتثل الأمر الوارد في الآية ، غير أن القانون لا يكتفي بهذا ، بل يكمل له نصيب أبيه الذي لو فرض أنه كان حيا لأخذه ، بشرط ألا يزيد على الثلث ، وهذه مخالفة ثالثة للآية .
الانتقاد الثالث:-
- سبب تشريع القانون كما في المذكرة التفسيرية تكرر
الشكوى عن حالة موت الأب في حياة أبيه ويترك أولاده صغارا فقراء محتاجين
ثم يموت الجد ويأخذ أعمامهم الميراث كله ، ويبقى هؤلاء الأحفاد فقراء ، في
حين أن أباهم لو كان حياً لكان له نصيب من الميراث .
فإن
كان هذا هو سبب تشريع القانون ، فلماذا أعطى القانون الأحفاد جزءاً من
التركة ولم يشترط فقرهم ؟ بل أعطاهم ولو كانوا أغنياء ، وكان الواجب
الاقتصار على حالة الحاجة .
قال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله (ص244) : " والحق أننا إن أخذنا بالوجوب
( يعني وجوب الوصية ) يجب أن نعتبر الاحتياج ، لأن الوصايا من باب
الصدقات فيجب أن تكون للفقراء ، ولأن الوصية الواجبة تقدم على غيرها فيجب
أن تكون القربة فيها أوضح " انتهى بتصرف يسير .
4- قصر القانون الأقارب الذين يستحقون هذه الوصية على الأحفاد فقط ،
وأعطاهم نصيب أبيهم ، وقد يفهم من القانون أن هذا مذهب ابن حزم رحمه الله ،
وليس هذا مذهبه ، فابن حزم رحمه الله لا يخص الوصية بالأحفاد بل تكون
لجميع الأقارب غير الوارثين ، ويوجب على الموصي أن يوصي لثلاثة من أقاربه
على الأقل ، لأن هذا هو أقل الجمع ، ثم إن ابن حزم رحمه الله لم يحدد الجزء
من المال الموصى به بمقدار معين ، بل بما يشاء الميت ، فإن لم يوص
فالورثة أو الوصي هم الذين يحددون مقدار ما يخرجونه من المال للأقارب .
قال ابن حزم رحمه الله : " فمن مات ولم يوص : ففرضٌ أن يُتصدق عنه بما تيسر
، ولا بد ; لأن فرض الوصية واجب , كما أوردنا , فصح أنه قد وجب أن يخرج
شيء من ماله بعد الموت , فإذ ذلك كذلك فقد سقط ملكه عما وجب إخراجه من ماله
. ولا حدّ في ذلك إلا ما رآه الورثة , أو الوصي مما لا إجحاف فيه على
الورثة " . إلى أن قال : " وفرضٌ على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا
يرثون , إما لرقٍّ , وإما لكفر , وإما لأن هنالك من يحجبهم عن الميراث ، أو
لأنهم لا يرثون فيوصي لهم بما طابت به نفسه , لا حدّ في ذلك , فإن لم
يفعل أُعطوا ولا بدّ ما رآه الورثةُ , أو الوصيُّ " انتهى من "المحلى"
(8/351).
فهذا ابن حزم يصرح أنه لا حد لهذه الوصية .
الانتقاد الرابع:-
-
هذه الوصية بهذا التفصيل الوارد في القانون ، لم يقل بها أحد من علماء
الإسلام قاطبة على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان ، وكفى بهذا دليلاً على
بطلان هذا القانون ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (إِنَّ اللَّهَ
لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ) رواه الترمذي (2167) وصححه
الألباني في صحيح الترمذي .
فلو كانت هذه الوصية بهذا التفصيل حقاً ، لما تركت الأمة بأسرها العمل بها ،
حتى يأتي هؤلاء المتأخرون وينصفون من ظلمه الأئمة والعلماء والمسلمون على
مدار أربعة عشر قرناً !!
الانتقادالخامس:-
هناك حالات كثيرة إذا تأملها الإنسان المنصف تبين له بطلان هذا القانون ، منها :
أ-
قد يكون الأحفاد أغنياء وأعمامهم (أولاد الميت) فقراء ، والقانون في هذه
الحالة أيضاً يعطي الأحفاد جزءاً من التركة تحت مسمى "الوصية الواجبة" !
مع أن أعمامهم أولى بهذا المال منهم ، لأنهم أقرب إلى الميت منهم ،
ولحاجتهم إليه .
ب -
لماذا يراعي القانون الأحفاد ولا يراعي الأجداد والجدات غير الوارثين ، مع
أنهم في الغالب أشد حاجة ويكونون مرضى ، وعاجزين عن العمل ، ويحتاجون إلى
علاج ونفقات .
فلماذا يعطي القانون بنت البنت ولا يعطي أم الأب مثلاً ؟!
ج - أن بنت البنت قد تأخذ أكثر مما ترثه بنت الابن ، فلو مات شخص عن بنت ،
وبنت بنت متوفاة ، وبنت ابن ، وترك 30 فدانا مثلا ، فإن مقدار الوصية
الواجبة لبنت البنت هنا هو ثلث التركة وهو 10 أفدنة نصيب أمها لو كانت حية .
وتأخذ البنت وبنت الابن الباقي فرضا وردا بنسبة 1:3 ، فيكون نصيب بنت الابن خمسة أفدنة أي نصف ما أخذته بنت البنت !!
مع أن بنت الابن أحق منها ، ولذلك انعقد إجماع العلماء على أن بنت الابن
ترث ، وأن بنت البنت لا ترث ، فكيف يُعطى غير الوارث أكثر من الوارث ، مع
أنهما في درجة قرابة واحدة ؟!
د
- أن بنت الابن قد تأخذ أكثر من البنت ، وذلك فيما إذا مات شخص عن بنتين ،
وبنت ابن متوفى ، وأخت شقيقة، وترك 18 فدانا مثلا ، فإن مقدار الوصية
لبنت الابن ثلث التركة وهو 6 أفدنة ، أما الباقي فيقسم بين البنتين والأخت
الشقيقة ، فتأخذ البنتان الثلثين 8 أفدنة ، لكل منهما 4 أفدنة ، وتأخذ
الأخت الشقيقة الباقي وهي 4 أفدنة !!
وهذا الشذوذ والاختلاف دليل على نقص البشر ، وتصديق لقوله تعالى : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) النساء/82 .
وأقوى هذه الاعتراضات على القانون: أن هذه الوصية صارت في حقيقة الأمر ميراثاً ، ولذلك يأخذ
الأحفاد هذا النصيب وإن لم يوص الميت لهم بشيء ، ويأخذونه ســـواء ترك مالا كثيرا أو قليلاً ، وسواء
كانوا فقراء أم أغنياء ، وهذه كله يدل على أنها ميراث ، وهذا اعتراض منهم على حكم الله تعالى وتغيير له .
ثانياً :
وأما الحالة التي زعموا أنهم وضعوا هذا القانون علاجاً لها ، وهي "فقر الأحفاد" فيمكن حلها بطرق لا تتعارض مع الشرع .
الطريقة الأولى : أن يُعَلَّم الأغنياء أنه يجب عليهم أو على أقل تقدير يستحب أن يوصوا لأقاربهم الفقراء بجزء من أموالهم .
الطريقة الثانية : إذا لم يوص فإن الورثة إذا كانوا أغنياء ينبغي لهم أن يعطوا الأحفاد أو غيرهم من الأقارب الفقراء جزءا من هذا المال ، ويكون صدقة منهم وصلة للرحم.
فبهاتين الطريقتين يمكن علاج تلك المشكلة من غير الوقوع في مخالفة الشرع .
ثالثاً:
أما أخذ المال بهذه الوصية ، فهو حرام ، لقول الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) النساء/30 .
وأكل المال بالباطل هو أخذه من غير سبب شرعي يبيح ذلك .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ
يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ) رواه البخاري (67) ومسلم (1679) .
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا .
والله أعلم