قصة موسى مع سحرة فرعون
استمر فرعون على كفره وأخذ يهدد نبي الله موسى عليه السلام ويتوعده بالسجن والتعذيب والأذى، ثم دعا وزيره هامان واستشاره في أمر موسى وما دعاه إليه وما رأى منه فقال له: إن اتبعته فيما دعاك له تصير تعبد بعد أن كنت تعُبد، وزين له باطله وما هو عليه من طغيان وتكبر، فخرج فرعون إلى قومه ووصف موسى عليه السلام بالساحر وانه يريد أن يخرجكم من دياركم ، ثم دعا جماعته واستشارهم في امر موسى عليه السلام وما رأى منه، فأشاروا عليه أن يجمع السحرة ليبطلوا على زعمهم ما جاء به موسى لانهم ظنوا أن ما جاء به من الآيات هو من قبيل السحر، وقال الملأ من قوم فرعون أرسل في الدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم ففعل فرعون ما طلبوا منه وذهب يجمع من كان ببلاده بمصر من السحرة وكنت بلاد مصر في ذلك الزمان مملؤة سحرة متمكنين في سحرهم حتى اجتمع له خلق كثير من السحرة وجم غفير منهم فكانوا سبعين سبعين ساحرًا وقيل أكثر من هذا بكثير، ولما اجتمعوا عند فرعون طلب منهم فرعون أن يجمعوا قواهم ويوحدوا هدفهم وجهودهم ليبطلوا على زعمه سحر موسى، وأخذ فرعون يُغريهم بالمال والمنصب وأنه سيجعلهم من خاصته فيما إذا تمكنوا من موسى وغلبوه بسحرهم
قال الله تبارك وتعالى:
وكان موعد اللقاء يوم عيد لفرعون يجتمع فيه مع الرعية في وضح النهار من الضحى قال تعالى:
وجاء موسى عليه السلام حاملا عصاه في يده ومعه أخوه هارون في الموعد المحدد، وكان فرعون جالسًا مُستشرفا بأهبة في مجلسه مع أشراف قومه من الامراء والوزراء ومعهم السحرة الذين جلبهم من كل أنحاء بلاد مصر التي كان يحكمها، فأقبل موسى عليه السلام نحو السحرة وزجرهم عن تعاطي السحر الباطل الذي فيه معارضة لآيات الله وحججه وقال لهم:
أي يستأصلكم ويهلككم بعذاب، وارتعد السحرة من مقالته هذه وفزعوا وقال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر، ولما اصطف السحرة ووقف موسى وهارون عليهما السلام تجاههم قالوا لموسى عليه السلام إما أن تلقي وأما نكون أول من القى، وكان هذا تهكما بهم، عند ذلك سحروا عيون الناس وارهبوهم وألقوا حبالهم وعصيهم التي كانت معهم وهم يقولون: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، وإذا بهذه الحبال والعصي يخيل للناس الحاضرين أنها حيات وثعابين تتحرك وتسعى
يقول الله تبارك وتعالى:
وامام هذا الموقف المثير المستغرب نظر نبي الله موسى عليه السلام فإذا بهذه الحبال والعصي يخيل إليه أنها حيات تسعى، فأوجس في داخل نفسه خيفة حيث خاف على الناس أن يفتنوا بسحر السحرة قبل أن يلقي ما في يده، ولكن الله سبحانه وتعالى ثبته أمام هذا الجمع الزاخر من السحرة وأوحى إليه أن
أي الغالب المنتصر عليهم، وامره تعالى أن يلقي عصاه التي كانت في يده، فلما ألقاها عليه السلام إذا هي تنقلب إلى حية حقيقية عظيمة ذات قوائم وعنق عظيم وشكل هائل مزعج، بحيث إن الناس الذين كانوا بالقرب منها انحازوا وهربوا سراعًا وتأخروا عن مكانها، وأقبلت هذه الحية على ما ألقاه السحرة من الحبال والعصي التي خيل للناس الحاضرين أنها حيات تسعى فجعلت تلقفه وتبتلعه واحدًا واحدًا وفي حركة سريعة والناس ينظرون إليها متعجبين لهول ما رأوا وشاهدو أمامهم، وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم واطلعوا على امر لم يكن في بالهم ولا يدخل تحت قدرتهم وتحققوا بما عندهم من العلم أن ما فعله موسى عليه السلام ليس بسحر ولا شعوذة وأن ما يدعو إليه ليس زورًا ولا بهتانًا،وكشف الله تعالى عن قلوبهم غشاوة الغفلة وقذف وخلق في قلوبهم الاهتداء والإيمان ولذلك ءامنوا وخروا له ساجدين وأقروا بوحدانية الله تعالى،
قال الله تبارك وتعالى:
ولما رأى فرعون هؤلاء السحرة قد أعلنوا إسلامهم وإيمانهن وأشهروا ذكر موسى وهارون عليهما السلام في الناس على هذه الصفة الجميلة أفزعه ذلك وبهره وأعمى بصيرته، وكان فيه كيد ومكر وخداع في الصد عن سبيل الله، فأراد أن يستر هزيمته ويستعيد هيبته فقال مخاطبًا السحرة بمكر وخداع وبحضرة الناس:
ومع ذلك ثبت السحرة على الإيمان والإسلام ولم يبالوا بوعيد فرعون وتهديداته بل واجهواه بكل جرأة رافضين تسلطه وهيمنته، وءاثروا الحق الذي جاء به موسى وهارون على فرعون وجبروته، وءاثروا الحياة الآخرة الباقية ودار النعيم الدائم على الدنيا الفانية الزائلة.
ونفذ فرعون الطاغية وعيده وتهديده فصلب هؤلاء السحرة الذين ءامنوا برب العالمين وتابوا وقطع أيديهم وأرجلهم وقتلهم ليروي غليله الحاقد دون أن يستطيع ثنيهم عن الإيمان والإسلام، فماتوا شهداء أبرار قد نالوا الدرجات العلى رضوان الله عليهم أجمعين، فقد كانوا أول الأمر سحرة فجارًا ثم صاروا بعد قتلهم ظلما شهداء بررة، والله تعالى يعطي الفضل من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
كبراء قوم فرعون يحرضونه على إيذاء موسى ومن ءامن معه
لما وقع من الأمر العظيم وهو انصار نبي الله موسى عليه السلام على السحرة الذين جمعهم فرعون، فكان الأمر على خلاف ما أرادوا وكانت الغلبة والانتصار لموسى عليه السلام في ذلك الموقف الهائل وأسلم السحرة الذين استنصر بهم فرعون وأتباعه القبط مما زاد فرعون وأتباعه الكافرين غيظًا وحقدًا، أخذوا يُغرون فرعون ويحرضونه على إيذاء موسى عليه السلام ومن ءامن معه لائمين ومنكرين عليه ترك موسى عليه السلام وقومه الذين ءامنوا بما جاء به يُفسدون على زعمهم في الأرض، فوعدهم فرعون أنه سيقتل أبناءهم ويستحيى نساءهم أي يسخرهن في خدمته معتزًا بما له عليهم من القهر والغلبة والسلطان، فأخذ يبطش ويفتك ببني إسرائيل الذين ءامنوا بموسى عليه السلام وبما جاء به، فعند ذلك ضج بنو إسرائيل بالشكوى مما حاق بهم من الظلم والتعذيب وأخذوا يشكون ذلك لموسى عليه السلام، فأوصاهم عليه السلام بالصبر وبشرهم بالنصر ووعدهم على ذلك بحسن العاقبة.
الآيات التسع التي أرسلها الله على قوم فرعون
تمادى فرعون في تكذيب موسى وإيذاء بني إسرائيل، فأخبر موسى عليه السلام بوحي من الله تعالى فرعون وقومه بانه سيوقع عليهم العذاب الشديد جزاء لكفرهم وتكذيبهم ما جاءهم به نبيهم موسى عليه السلام، وقد أرسل الله تبارك وتعالى عليهم أنواعًا من العذاب وصنوفًا من البلاء كانت بمثابة إنذار لهم من الله تعالى إلى رُشدهم ويسيروا على الصراط المستقيم الذي جاءهم به نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام.
وقد كانوا كلما وقع عليهم العذاب جاءوا إلى موسى يطلبون منه أن يسأل ربه أن يرفع عنهم العذاب، ويعدونه بالإيمان وترك إيذاء المؤمنين من بني إسرائيل، فكان موسى عليه السلام يدعو ربه أن يكشف عنهم العذاب، فإذا كشف الله تعالى عنهم ما نزل بهم من العذاب غدروا بعهدهم واستمروا وعادوا إلى طغيانهم.
وكانت أظهر هذه الابتلاءات الآيات التسع التي أرسلها الله تعالى علىقوم فرعون بسبب كفرهم وطغيانهم
يقول الله تبارك وتعالى:
والآيات التسع البنات التي أرسلها الله تعالى على قوم فرعون واتباعه القبط هي ما يلي:
1- القحط والجدب: وهو الذي عبر عنه القرءان بالسنسن، وهي اعوام الجدب والقحط التي أصابتهم حيث كان لا يُستغل فيها زرع ولا يُنتفع بضرع.
2- النقص من الثمرات: وهي قلة الثمار من الاشجار بسبب الجوائح والعاهات التي كانت تصبها.
3- الطوفان: وهو كثرة الأمطار التلفة للزروع والثمار، وقيل: المراد بالطوفان فيضان نهر النيل عليهم حيث فاض الماء على وجه الأرض ثم ركد فلا يقدرون أن يحرثوا أرضهم ولا يعملوا شيئًا حتى جهدوا جوعًا وأصابهم الضيق الشديد.
الجراد: وهو معروف، وقد أرسله الله تبارك وتعالى على قوم فرعون بشكل غير معهود، فكان يغطي الأرض الخضراء ويحجب ضوء الشمس لكثرته، وكان لا يترك لهم زرعا ولا ثمارا ولا شجرا حتى قيل: إنه كان يأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم.
5- القمل: وهو السوس الذي يفسد الحبوب، وقيل: هو القمل المعروف، وقيل: هو البعوض الذي أقض مضاجعهم ولم يُمكنهم معه الغمض والنوم والقرار.
6- الضفادع: وهي معروفة، وقد كثرت عندهم حتى نغصت عليهم عيشهم، حيث كانت تسقط في أطعمتهم وأوانيهم وتقفز على فرشهم وملابسهم وملأت بيوتهم واطعمتهم وءانيتهم.
7- الدم: حيث صارت مياه ءال فرعون دمًا، فكانوا لا يستقون من إناء ولا من بئر ولا نهر إلا انقلب إلى دم في الحال بقدرة الله تعالى، وكذلك كانوا لا يستقون من نهر النيل شيئًا إلا وجدوه دمًا.
8- العصا: وقد تقدم ذكرها انها كانت من معجزات نبي الله موسى عليه السلام، حيث انقلبت عندما القاها عليه السلام حية حقيقية تسعى بقدرة الله تعالى.
9- اليد: وقد تم ذكرها أنها من معجزرات موسى عليه السلام إذ كان عليه السلام يضع يده في جيبه ثم يخرجها بيضاء من غير سوء ومرض.
فسبحان الله العلي العظيم القادر على كل شىء.
قال الله تبارك تعالى :
قصة هلاك فرعون وجنوده في البحر
كذب فرعون وقومه موسى عليه السلام ولم يؤمن إلا القليل، يقول الله تبارك وتعالى:
وتمادى فرعون مع أتباعه القبط في كفرهم وضلالهم وعنادهم وذلك متابعة لملكهم فرعون الذي أمرهم بعبادته وأراد فرعون قتل موسى فقال للملإ ما أخبر الله به
في قوله تعالى:
ولكن رجلا من ءال فرعون كان يكتم إيمانه خوفا على نفسه أجابهم :
ولكن كل هذا النصح والإرشاد لم يؤثر في قلب فرعون بل صار يزداد ضلالا وفسادًا فأمر هامان أن يبني له صرحًا ضخمًا مبنيا من الأجر المشوي بالنار، فبنى له ذلك الصرح الذي قيل إنه لم ير بناء أعلى منه.
فلما يئس موسى عليه السلام من إيمانهم وإيمان فرعون دعا عليهم وأمن على دعائه أخوه هارون عليهما السلام فقال في دعائه:
واستجاب الله تعالى لهما فمسخ أموالهم فصارت حجارة على ما قيل، ولما طال الأمر على نبي الله موسى عليه السلام أوحى الله تبارك وتعالى إليه يامره أن يخرج ببني إسرائيل من أرض مصر ليلا ويذهب بهم إلى أرض فلسطين، وأمره ان يحمل معه تابوت يوسف بن يعقوب عليهما السلام ويدفنه بالأرض المقدسة، فتجهز موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين وكانوا يزيدون على ستمائة ألف غير الذرية، فخرج بهم في الليل سائرين في طريق البحر الأحمر على خليج السويس، وأخذوا يجدون في السير حذرًا من فرعون وظلمه وطغيانه، ولما استيقظ فرعون علم بخروج موسى عليه السلام ومن معه من بني إسرائيل من مصر، فجهز جيشًا كبيرًا عرمرمًا حتى قيل كان فيه مائة ألف فارس وكان عدد جنوده يزيد على مليون وستمائة ألف جندي، وتوجه فرعون بهذا الجيش الكبير طالبًا بني إسرائيل وموسى عليه السلام يتبع ءاثارهم يريد كيدهم والبطش والفتك بهم فأدركهم في اليوم التالي عند شروق الشمس، ولما تراءى الجمعان وعاين كل من الفريقين صاحبه ورءاه ولم يبق إلا المواجهة والمقاتلة، وهنا شعر بنو إسرائيل بالخطر الملهم فالبحر امامهم والعدو خلفهم وفرعون وجنوده يريدون الفتك بهم، فضجوا بالعويل والصياح وقالوا لموسى عليه السلام وهم خائفون: إنا لمدركون.
ولكن موسى عليه الصلاة والسلام كان يعلم أن الله سبحانه وتعالى الذي أمره بالخروج ببني إسرائيل من مصر سينصره فأخذ يسكن روعهم، ولما تفاقم الأمر وضاق الحال واشتد الأمر واقترب فرعون وجنوده من بني إسرائيل وموسى عليه السلام، عند ذلك أوحى الله عزوجل إلى موسى الكليم أن يضرب بعصاه البحر، فأخرج موسى عصاه وضرب بها البحر فانفلق البحر بقدرة الله اثني عشر فرقًا وكان كل فرق كالجبل العظيم وصار فيه اثنا عشر طريقًا لكل سبط طريق يسيرون فيه، وأمر الله موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين مبادرين مستبشرين بنصر الله بعد أن أصبح البحر يابسًا ممهدًا بعد ان رأوا بأم اعينهم هذه الآية والمعجزة العظمى التي تحتار لها عقول الناظرين، فلما جاوزه موسى عليه السلام وجاوزه بنو إسرائيل وخرج ءاخرهم منه وانفصلوا عنه، وكان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه ووصولهم إليه، أراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه حتى لا يسلكه فرعون وجنوده، فأوحى الله تعالى غليه ان يتركه على حاله ساكنًا على هيئته لانه يريد إغراقهم فيه كما قال تعالى:
وأترك البحر رهواً إنهم جند مغرقون (24) {سورة الدخان}
أي ساكنًا على هيئته التي هو عليها.
وامتثل موسى عليه السلام أمر الله وترك البحر على هيئته وحالته، فلما وصل فرعون إلى البحر - وانتهى إليه رأى هذه المعجزة والآية الباهرة وعاينها، وهاله المنظر العظيم حيث كان ماء البحر قائمًا مثل الجبال، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذه الآية العظيمة من فعل وخلق الله سبحانه وتعالى، ولكنه لم يذعن لقيمة البرهان العقلي على صدق موسى عليه السلام وأظهر أمام جنوده التجلد والشجاعة، وأخذ يشجع جنده لاقتحام البحر أمامه من أجل أن يفوز هو بالنجاة ولكن لا راد لقضاء الله، فقد جاء ملك من السماء قيل: هو جبريل عليه السلام فقاد فرس فرعون جهة البحر، فلما رءاه جنوده قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين فلما اصبحوا جميعًا في البحر، وقد هم أولهم بالخروج منه، عند ذلك امر الله تعالى موسى أن يضرب بعصاه البحر، فلما ضربه بعصاه ارتطم البحر عليهم كما كان وعادت أمواجه هائجة كما كانت، فهلكوا جميعهم بالغرق ولم ينج منهم أحد، والله عزيز ذو انتقام.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]