هناك من الإختلاف ما هو طبيعي وضروري وقد نسبه الله إلى نفسه، فقال:
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ
مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ
بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ
رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف/ 32).
وهناك من الاختلاف ما
ذمّه الله تعالى وهو الإختلاف في الدين لأن الدين الحنيف هو من الفطرة
التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ولذلك نسب الاختلاف في الدين في
مواضع من كلامه إلى بغي المختلفين فيه وظلمهم، فقال: (وَآتَيْنَاهُمْ
بَيِّنَاتٍ مِنَ الأمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (الجاثية/ 17).
وقد
جمع الله الإختلافين في قوله: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ
اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا
فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة/ 213).
إذا
كان الاختلاف في الدين لابدّ من حدوثه، فالمذموم هو أن يتبعه التفرّق في
الدين والصراع والتناحر، ولذلك قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ
وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران/ 105).
الخلاف يكون
مثمراً حينما ينتهي إلى مرجع يحكم فيه وينهيه، ولذلك قال تعالى: (فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا) (النساء/ 65).
إذا استمر الخلاف وتأصّل في الجوّ الديني،
فإنه يصبح مظهراً من مظاهر الشرك والانحراف عن المضمون الواقعي لعقيدة
التوحيد، ولذلك قال سبحانه وتعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ
الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (الرّوم/ 31-32).
وقال عزّ شأنه: (إِنَّ الَّذِينَ
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ
إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ) (الأنعام/ 159).
في وصية المفضل، سمعت أبا عبدالله (ع)
يقول: لا يفترق رجلان على الهجران إلاّ استوجب أحدهما البراءة واللعنة
وربّما استحق ذلك كلاهما، فقال له معتب: جعلني الله فداك، هذا الظالم فما
بال المظلوم؟ قال: لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته ولا يتغامس له عن كلامه،
سمعت أبي يقول: إذا تنازع إثنان فعاز أحدهما الآخر فليرجع المظلوم إلى
صاحبه حتى يقول لصاحبه: أي أخي أنا الظالم، حتى يقطع الهجران بينه وبين
صاحبه، فإن الله تبارك وتعالى حكم عدل يأخذ للمظلوم من الظالم. (بحار
الأنوار، ج75، ص184).
عن أبي جعفر (ع) أنه قال: ما من مؤمنين اهتجرا فوق
ثلاث إلاّ وبرئت منهما في الثالثة، فقيل له: يا ابن رسول الله، هذا حال
الظالم فما بال المظلوم؟ فقال (ع): ما بال المظلوم لا يصير إلى الظالم،
فيقول: أنا الظالم حتى يصطلحا. (بحار الأنوار، ج75، ص88).
المصدر: كتاب أصول المحاضرات