تلبيس إبليس على العلماء في فنون العلم
قال المصنف إعلم أن إبليس يدخل على الناس في التلبيس من طرق منها ظاهر
الأمر ولكن يغلب الإنسان في إيثار هواه فيغمض على علم يذلله ومنها غامض
وهو الذي يخفى على كثير من العلماء ونحن نشير إلى فنون من تلبيسه يستدل
بمذكورها على مغفلها إذ حصر الطرق يطول والله العاصم
تلبيس إبليس على أصحاب الحديث
من ذلك أن قوما استغرقوا أعمارهم في سماع الحديث والرحلة فيه وجمع
الطرق الكثيرة وطلب الأسانيد العالية والمتون الغريبة وهؤلاء على قسمين
قسم قصدوا حفظ الشرع بمعرفة صحيح الحديث من سقيمه وهم مشكورون على هذا
القصد إلا أن إبليس يلبس عليهم بأن يشغلهم بهذا عما هو فرض عين من معرفة
ما يجب عليهم والاجتهاد في أداء اللازم والتفقه في الحديث فإن قال قائل
فقد فعل هذا خلق كثير من السلف كيحيى بن معين وابن المديني والبخاري ومسلم
فالجواب أن أولئك جمعوا بين معرفة المهم من أمور الدين والفقه فيه وبين ما
طلبوا من الحديث وأعانهم على ذلك قصر الإسناد وقلة الحديث فاتسع زمانهم
للأمرين فأما في هذا الزمان فإن طرق الحديث طالت والتصانيف فيه اتسعت وما
في هذا الكتاب في تلك الكتب وإنما الطرق تختلف فقل أن يمكن أحدا أن يجمع
بين الأمرين فترى المحدث يكتب ويسمع خمسين سنة ويجمع الكتب ولا يدري ما
فيها ولو وقعت له حادثة في صلاته لافتقر إلى بعض أحداث المتفقهة الذين
يترددون إليه لسماع الحديث منه وبهؤلاء تمكن الطاعنون على المحدثين فقالوا
زوامل أسفار لا يدرون ما معهم
فان أفلح أحدهم ونظر في حديثه فربما
عمل بحديث منسوخ وربما فهم من الحديث ما يفهم العامي الجاهل وعمل بذلك
وليس بالمراد من الحديث كما روينا أن بعض المحدثين روي عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أنه
نهى أن يسقى الرجل ماءه زرع غيره فقال جماعة ممن حضر قد كنا إذا فضل عنا
ماء في بساتيننا سرحناه إلى جيراننا ونحن نستغفر الله فما فهم القارىء ولا
السامع ولا شعروا أن المراد وطء الحبالى من السبايا
قال الخطابي وكان بعض مشايخنا يروي الحديث أن النبي «صلى الله عليه وسلم» نهى
عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة باسكان اللام قال وأخبرني أنه بقي أربعين
سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة قال فقلت له إنما هو الحلق جمع حلقة وإنما
كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة وأمر أن يشتغل بالصلاة وينصت
للخطبة فقال قد فرجت علي وكان من الصالحين وقد كان ابن صاعد كبير القدر في
المحدثين لكنه لما قلت مخالطته للفقهاء كان لا يفهم جواب فتوى حتى أنه قد
أخبرنا أبو منصور البزار نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال سمعت
اليرقاني يقول قال أبو بكر الأبهري الفقيه قال كنت عند يحيى بن محمد بن
صاعد فجاءته امرأة فقالت أيها الشيخ ما تقول في بئر سقطت فيه دجاجة فماتت
فهل الماء طاهر أو نجس فقال يحيى ويحك كيف سقطت الدجاجة إلى البئر قالت لم
تكن البئر مغطاة فقال يحيى ألا غطيتها حتى لا يقع فيها شيء قال الأبهري
فقلت يا هذه إن كان الماء تغير فهو نجس وإلا فهو طاهر
قال المصنف
وكان ابن شاهين قد صنف في الحديث مصنفات كثيرة أقلها جزء وأكثرها التفسير
وهو ألف جزء وما كان يعرف من الفقه شيئا وقد كان فيهم من يقدم على الفتوى
بالخطأ لئلا يرى بعين الجهل فكان فيهم من يصير بما يفتي به ضحكة فسئل
بعضهم عن مسألة من الفرائض فكتب في الفتوى تقسم على فرائض الله سبحانه
وتعالى
وأنبأنا محمد بن أبي منصور نا أحمد بن الحسين بن حبرون نا
أحمد بن محمد العتيقي نا أبو عمر بن حياة نا سليمان بن إسحاق الحلاب ثنا
إبراهيم الحربي قال بلغني أن امرأة جاءت إلى علي بن داود وهو يحدث وبين
يديه مقدار ألف نفس فقالت له حلفت بصدقة إزاري فقال لها بكم اشتريتيه قالت
باثنين وعشرين
درهما قال اذهبي فصومي اثنين وعشرين يوما فلما مرت جعل يقول آه آه غلطنا والله أمرناها بكفارة الظهار
قال
المصنف قلت فانظروا إلى هاتين الفضيحتين فضيحة الجهل وفضيحة الإقدام على
الفتوى بمثل هذا التخليط واعلم أن عموم المحدثين حملوا ظاهر ما تعلق من
صفات الباري سبحانه على مقتضى الحس فشبهوا لأنهم لم يخالطوا الفقهاء
فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى الحكم وقد رأينا في زماننا من يجمع الكتب
منهم ويكثر السماع ولا يفهم ما حصل
ومنهم من لا يحفظ القرآن ولا يعرف
أركان الصلاة فتشاغل هؤلاء على زعمهم بفروض الكفاية عن فروض الأعيان
وإيثار ما ليس بمهم على المهم من تلبيس إبليس
القسم الثاني قوم
أكثروا سماع الحديث ولم يكن مقصودهم صحيحا ولا أرادوا معرفة الصحيح من
غيره بجمع الطرق وإنما كان مرادهم العوالي والغرائب فطافوا البلدان ليقول
أحدهم لقيت فلانا ولي من الأسانيد ما ليس لغيري وعندي أحاديث ليست عند
غيري
وقد كان دخل إلينا إلى بغداد بعض طلبة الحديث وكان يأخذ الشيخ
فيقعده في الرقة وهي البستان الذي على شاطيء دجلة فيقرأ عليه ويقول في
مجموعاته حدثني فلان وفلان بالزقة ويوهم الناس أنها البلدة التي بناحية
الشام ليظنوا أنه قد تعب في الأسفار لطلب الحديث وكان يقعد الشيخ بين نهر
عيسى والفرات ويقول حدثني فلان من وراء النهر يوهم أنه قد عبر خراسان في
طلب الحديث وكان يقول حدثني فلان في رحلتي الثانية والثالثة ليعلم الناس
قدر تعبه في طلب الحديث فما بورك له ومات في زمان الطلب
قال المصنف
وهذا كله من الإخلاص بمعزل وإنما مقصودهم الرساة والمباهاة ولذلك يتبعون
شاذ الحديث وغريبه وربما ظفر أحدهم بجزء فيه سماع أخيه المسلم فأخفاه
ليتفرد هو بالرواية وقد يموت هو ولا يرويه فيفوت الشخصين
وربما رحل أحدهم إلى شيخ أول اسمه قاف أو كاف ليكتب ذلك في مشيخته فحسب
ومن
تلبيس إبليس على أصحاب الحديث قدح بعضهم في بعض طلبا للتشفي ويخرجون ذلك
مخرج الجرح والتعديل الذي استعمله قدماء هذه الأمة للذب عن الشرع والله
أعلم بالمقاصد ودليل مقصد خبث هؤلاء سكوتهم عمن أخذوا عنه وما كان القدماء
هكذا فقد كان علي بن المديني يحدث عن أبيه وكان ضعيفا ثم يقول وفي حديث
الشيخ ما فيه
أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري نا أبو سعيد بن أبي
صادق نا أبو عبد الله بن باكويه ثنا بكر أن ابن أحمد الجيلي قال سمعت يوسف
بن الحسين يقول سألت حارثا المحاسبي عن الغيبة فقال احذرها فانها شر مكتسب
وما ظنك بشيء يسلبك حسناتك فيرضى به خصماءك ومن تبغضه في الدنيا كيف ترضى
به خصمك يوم القيامة يأخذ من حسناتك أو تأخذ من سيئاته إذ ليس هناك درهم
ولا دينار فاحذرها وتعرف منبعها فان منبع غيبة الهمج والجهال من اشفاء
الغيظ والحمية والحسد وسوء الظن وتلك مكشوفة غير خفية وأما غيبة العلماء
فمنبعها من خدعة النفس على إبداء النصيحة وتأويل مالا يصح من الخبر ولو صح
ما كان عونا على الغيبة وهو قوله أترغبون عن ذكره اذكروه بما فيه ليحذره
الناس ولو كان الخبر محفوظا صحيحا لم يكن فيه إبداء شناعة على أخيك المسلم
من غير أن تسأل عنه وإنما إذا جاءك مسترشد فقال أريد أن أزوج كريمتي من
فلان فعرفت منه بدعة أو أنه غير مأمون على حرم المسلمين صرفته عنه
بأحسن
صرف أو يجيئك رجل آخر فيقول لك أريد أن أودع مالي فلانا وليس ذلك الرجل
موضعا للأمانة فتصرفه عنه بأحسن الوجوه أو يقول لك رجل أريد أن أصلي خلف
فلان أو أجعله إمامي في علم فتصرفه عنه بأحسن الوجوه ولا تشف غيظك من
غيبته
وأما منبع الغيبة من القراء والنساك فمن طريق التعجب يبدي عوار
الأخ ثم يتصنع بالدعاء في ظهر الغيب فيتمكن من لحم أخيه المسلم ثم يتزين
بالدعاء له وأما منبع الغيبة من الرؤساء والأساتذة فمن طريق إبداء الرحمة
والشفقة حتى يقول مسكين فلان ابتلى بكذا وامتحن بكذا نعوذ بالله من
الخذلان فيتصنع بإبداء الرحمة والشفقة على أخيه ثم يتصنع بالدعاء له عند
إخوانه ويقول إنما أبديت لكم ذاك لتكثروا دعاءكم له ونعوذ بالله من الغيبة
تعريضا أو تصريحا فاتق الغيبة فقد نطق القرآن بكراهتها فقال عز وجل « أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه » وقد روي عن النبي «صلى الله عليه وسلم» في ذلك أخبار كثيرة
ومن
تلبيس إبليس على علماء المحدثين رواية الحديث الموضوع من غير أن يبينوا
أنه موضوع وهذه جناية منهم على الشرع ومقصودهم ترويج أحاديثهم وكثرة
رواياتهم وقد قال «صلى الله عليه وسلم» من روى عني حديثا
يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ومن هذا الفن تدليسهم في الرواية فتارة يقول
أحدهم فلان عن فلان أو قال فلان عن فلان يوهم أنه سمع منه المنقطع ولم
يسمع وهذا قبيح لأنه يجعل المنقطع في مرتبة المتصل ومنهم من يروي عن
الضعيف والكذاب فينفي اسمه فربما سماه بغير اسمه وربما كناه وربما نسبه
إلى جده لئلا يعرف وهذه جناية على الشرع لأنه يثبت حكما بما لا يثبت به
فأما إذا كان المروي عنه ثقة فنسبه إلى جده أو أقتصر على كنيته لئلا يرى
أنه قد ردد الرواية عنه أو يكون المروي عنه في مرتبة الراوي فيستحي الراوي
من ذكره فهذا على الكراهة والبعد من الصواب قريب بشرط أن يكون المروي عنه
ثقة والله الموفق
تلبيسه على القراء
فمن ذلك أن أحدهم يشتغل بالقراآت الشاذة وتحصيلها فيفني أكثر عمره في
جمعها وتصنيفها والأقراء بها ويشغله ذلك عن معرفة الفرائض والواجبات فربما
رأيت إمام مسجد يتصدى للأقراء ولا يعرف ما يفسد الصلاة وربما حمله حب
التصدر حتى لا يرى بعين الجهل على أن يجلس بين يدي العلماء ويأخذ عنهم
العلم ولو تفكروا لعلموا أن المراد حفظ القرآن وتقويم ألفاظه ثم فهمه ثم
العمل به ثم الإقبال على ما يصلح النفس ويطهر أخلاقها ثم التشاغل بالمهم
من علوم الشرع ومن الغبن الفاحش تضييع الزمان فيما غيره الأهم قال الحسن
البصري أنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملا يعني أنهم اقتصروا
على التلاوة وتركوا العمل به ومن ذلك أن أحدهم يقرأ في محرابه بالشاذ
ويترك المتواتر المشهور والصحيح عند العلماء أن الصلاة لا تصح بهذا الشاذ
وإنما مقصود هذا إظهار الغريب لاستجلاب مدح الناس وإقبالهم عليه وعنده أنه
متشاغل بالقرآن ومنهم من يجمع القراآت فيقول ملك مالك ملاك وهذا لا يجوز
لأنه إخراج للقرآن عن نظمه ومنهم من يجمع السجدات والتهليلات والتكبيرات
وذلك مكروه وقد صاروا يوقدون النيران الكثيرة للختمة فيجمعون بين تضييع
المال والتشبه بالمجوس والتسبب إلى اجتماع النساء والرجال بالليل للفساد
ويريهم إبليس أن في هذا إعزازا للاسلام وهذا تلبيس عظيم لأن إعزاز الشرع
باستعمال المشروع ومن ذلك أن منهم من يتسامح بادعاء القراءة على من لم
يقرأ عليه وربما كانت له إجازة منه فقال أخبرنا تدليسا وهو يرى أن الأمر
في ذلك قريب لكونه يروى القراآت ويراها فعل خير وينسى أن هذا كذب يلزمه
اثم الكذابين ومن ذلك أن المقرىء المجيد يأخذ على اثنين وثلاثة ويتحدث مع
من يدخل عليه والقلب لا يطيق جمع هذه الأشياء ثم يكتب خطه بأنه قد قرأ على
فلان بقراءة فلان وقد كان بعض المحققين يقول ينبغي أن يجتمع اثنان أو
ثلاثة ويأخذوا على واحد ومن ذلك أن أقواما من القراء يتبارون بكثرة
القراءة وقد رأيت من مشايخهم من يجمع الناس ويقيم شخصا ويقرأ في النهار
الطويل ثلاث ختمات فإن قصر عيب وإن أتم مدح وتجتمع العوام لذلك ويحسنونه
كما يفعلون في حق السعاة ويريهم إبليس أن في كثرة التلاوة ثوابا وهذا من
تلبيسه لأن القراءة ينبغي أن تكون لله تعالى لا للتحسين بها وينبغي أن
تكون على تمهل وقال عز وجل « لتقرأه على الناس على مكث » وقال عز وجل « ورتل القرآن ترتيلا» ومن ذلك أن جماعة من القراء أحدثوا قراءة الألحان وقد كانت إلى حد قريب وعلى ذلك فقد كرهها أحمد بن حنبل وغيره ولم يكرهها الشافعي
أنبأنا
محمد بن ناصر نا أبو علي الحسين بن سعد الهمذاني نا أبو بكر أحمد بن علي
بن لال ثنا الفضل بن الفضل ثنا السياحي ثنا الربيع بن سليمان قال قال
الشافعي أما استماع الحداء ونشيد الاعراب فلا بأس به ولا بأس بقراءة
الألحان وتحسين الصوت
قال المصنف وقلت إنما أشار الشافعي إلى ما كان
في زمانه وكانوا يلحنون بيسرا فأما اليوم فقد صيروا ذلك على قانون الأغاني
وكلما قرب ذلك من مشابهة الغناء زادت كراهته فان أخرج القرآن عن حد وضعه
حرم ذلك ومن ذلك أن قوما من القراء يتسامحون بشيء من الخطايا كالغيبة
للنظراء وربما أتوا أكبر من ذلك الذنب واعتقدوا أن حفظ القرآن يرفع عنهم
العذاب واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام لو جعل القرآن في إهاب ما أحترق
وذلك من تلبيس إبليس عليهم لأن عذاب من يعلم أكثر من عذاب من لم يعلم إذ
زيادة العلم تقوى الحجة وكون القارىء لم يحترم ما يحفظ ذنب آخر قال الله
عز وجل أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى وقال في أزواج
رسول الله «صلى الله عليه وسلم» « من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين »
وقد
أخبرنا أحمد بن احمد المتوكلي نا أحمد بن علي بن ثابت نا أبو الحسن ابن
زرقويه نا اسماعيل الصفار ثنا زكريا بن يحيى ثنا معروف الكرخي قال قال بكر
بن حبيش إن في جهنم لواديا تتعوذ جهنم من ذلك الوادي كل يوم سبع مرات وإن
في الوادي لجبا يتعوذ الوادي وجهنم من ذلك الجب كل يوم سبع مرات وإن في
الجب لحية يتعوذ الجب والوادي وجهنم من تلك الحية كل يوم سبع مرات يبدأ
بفسقة حملة القرآن فيقولون أي رب يبدأ بنا قبل عبدة الأوثان فقيل لهم ليس
من يعلم كمن لا يعلم قال المصنف فلنقتصر على هذا الأنموذج فيما يتعلق
بالقراء
تلبيس إبليس على الفقهاء
قال المصنف كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن
والحديث فما زال الأمر يتناقص حتى قال المتأخرون يكفينا أن نعرف آيات
الأحكام من القرآن وأن نعتمد على الكتب المشهورة في الحديث كسنن أبي داود
ونحوها ثم استهانوا بهذا الأمر أيضا وصار أحدهم يحتج بآية لا يعرف معناها
وبحديث لا يدري أصحيح هو أم لا وربما اعتمد على قياس يعارضه حديث صحيح ولا
يعلم لقلة التفاته إلى معرفة النقل وإنما الفقه استخراج من الكتاب والسنة
فكيف يستخرج من شيء لا يعرفه ومن القبيح تعليق حكم على حديث لا يدري أصحيح
هو أم لا
ولقد كانت معرفة هذا تصعب ويحتاج الإنسان إلى السفر الطويل
والتعب الكثير حتى تعرف ذلك فصنفت الكتب وتقررت السنن وعرف الصحيح من
السقيم ولكن غلب على المتأخرين الكسل بالمرة عن أن يطالعوا علم الحديث حتى
إني رأيت بعض الأكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه عن ألفاظ في الصحاح لا
يجوز أن يكون رسول الله «صلى الله عليه وسلم» قال هذا
ورأيته يحتج في مسألة فيقول دليلنا ما روى بعضهم أن رسول الله قال كذا
ويجعل الجواب عن حديث صحيح قد احتج به خصمه أن يقول هذا الحديث لا يعرف
وهذا كله جناية على الاسلام
ومن تلبيس إبليس على الفقهاء أن جل
اعتمادهم على تحصيل علم الجدل يطلبون بزعمهم تصحيح الدليل على الحكم
والاستنباط لدقائق الشرع وعلل المذاهب ولو صحت هذه الدعوى منهم لتشاغلوا
بجميع المسائل وإنما يتشاغلون بالمسائل الكبار ليتسع فيها الكلام فيتقدم
المناظر بذلك عند الناس في خصام النظر فهم أحدهم بترتيب المجادلة والتفتيش
على المناقضات طلبا للمفاخرات والمباهاة وربما لم يعرف الحكم في مسألة
صغيرة تعم بها البلوى