نقلا عن جريدة الوفد
لا يجيد أحمد فتحي سرور فن العزف علي أي آله موسيقية، ورغم ذلك
تحول إلي يسترو من نوع خاص جدا تحت قبة مجلس الشعب فهو يدير ويسيطر
ويصدر قرارات واجبة التنفيذ..
فالنظام يدرك جيدا أن المجلس بدونه يتحول الي فوضي سياسية وتسيطر
عليه المعارضة وتستطيع أن تقدم استجوابات وطلبات إحاطة وتمنع قوانين
مشبوهة وتمرر مشروعات قوانين للإصلاح السياسي وربما لهذه الأسباب حافظ علي
وجوده كرئيس للمجلس لمدة تتعدي الـ20 عاما في سابقة هي الأولي من نوعها
في التاريخ.
سرور هو صمام الأمان للمجلس ومانع لتسرب مشروعات قوانين المعارضة وحامي
النظام الدائم من سيل الاستجوابات الذي يمكن أن يغرق حكومات بأكملها
ويسقط وزراء صرعي أسفل طوفان المعارضة الذي يمكن ان يكتسح الوطني
ويزيله ويكتب شهادة وفاته.
يجيد سرور فن التناقض فهو بمثابة موسوعة علمية تمشي علي قدمين، مسخرة
لخدمة النظام الحاكم وتبرير مواقفه فهو يملك القدرة القانونية علي أن
يقنع النواب بالشيء ونفيضه فالخلفيات القانونية التي يمتلكها من النادر
أن يمتلكها غيره وهو شديد الولاء للنظام الحاكم ولا يخفي علي أحد
الدور الخبيث الذي يلعبه بعدما سخر علمه بالقانون ليكون محاميا
للشيطان.
سرور الذي تولي رئاسة المجلس بعد تركه وزارة التعليم لم ينس ذلك
وحاول أن ينصب نفسه كناظر لمدرسة مجلس الشعب والدليل علي ذلك ما حدث منذ
بضعة أيام عندما طلب من النواب الجدد في إحدي الجلسات أن يقوموا بتعريف
أنفسهم حتي إنه قال لأحد النواب"اسم الكريم ايه"وكأنه في فصل دراسي وليس
جلسة برلمان ولذلك فهو يدير بمبدأ التلميذ والمدرس في قمع الرأي
ويضطهد المعارضين ويمرر ما يملي عليه من مشاريع قوانين و تعديلات
دستورية واستجوابات وطلبات إحاطة ولا يجد حرجا في تغيير لائحة المجلس إن
استدعي ذلك فهو الآمر الناهي والمتحدث غير الرسمي باسم الحزب الوطني
والمحامي المنتخب للدفاع عنه.
استحق سرور لقب »ترزي القوانين« الأول في مصر فأي مشروع قانون أو
تعديل للدستور لابد أن يمر من تحت ماكينته حتي يفصلها علي مقاس الحزب
الوطني فقط فما إن يطلب منه أي قانون إلا وتجده مسرعا ليجهز مازورته
القانونية ومقصه الفكري حتي يتم تهيئته ورسمه خصيصا للنظام ليعلن عنه
في جلسات المجلس ليقول في النهاية كلمة "موافقة" والعكس تماما لأي
مشروع تقدمه المعارضة او الاستجوابات فستجده يستخدم أسلحة أخري ليهيل
التراب علي المشروع وينتقل إلي جدول الأعمال..
وإذا أراد النظام غلق ملف قضية ما ستجد"سرور" ولجانه ومجلسه قد
خنقوها في أدراج مجلسهم لتختفي الي الأبد وتوصيات لجنة "العطيفي"
شاهدة علي ذلك فما تزال مدفونة تحت أروقة المجلس في انتظار لحظات الإفراج
عنها لتكتب شهادة إدانة جديدة لفتحي سرور.
تخرج الدكتور سرور من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1953 وحصل
منها علي شهادة الدكتوراة في القانون عام 1959 بالإضافة إلي عدد آخر
من درجات الدكتوراة الفخرية في العلوم السياسية من الولايات المتحدة
وجامعة بولونيا في إيطاليا.
بدأ حياته العملية كمعاون نيابة عامة عام 1953وتدرج في العمل
النيابي حتي عام 1959 وانتقل إلي العمل الأكاديمي كمدرس بقسم
القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة، واستمر في التدرج في
العمل الجامعي حتي ترأس قسم القانون الجنائي بكلية الحقوق خلال
الفترة من 1978 حتي 1983 ثم عميدا لكلية الحقوق خلال الفترة من
1983-1985 ونائبا لرئيس الجامعة حتي عام 1986.
وكان هذا التاريخ بداية الانطلاقه السياسية لسرور حيث اختير لتولي
مسئولية وزارة التعليم عام 1990 وبدأت سياسة تخريب التعليم في مصر
علي يديه وقام بعمل عدة تجارب مختلفة فاشلة في نظام الثانوية العامة
ومازال التعليم يعاني إلي الآن بفضل السياسات التي قام بتنفيذها.
بدأت علاقه الزواج الكاثوليكي بين أحمد فتحي سرور ومجلس الشعب عام
1987 ولم يفترقا الي الآن، منذ اليوم الذي رشح نفسه علي مقعد
الفئات بدائرة السيدة زينب حيث كانت الانتخابات في ذلك الوقت بنظام
القائمة النسبية وكانت دائرة السيدة زينب تضم منشأة ناصر والدرب الأحمر
وقصر النيل وشهد يوم 12 أكتوبر 1990 أول قصة حب بين سرور وكرسي
رئاسة البرلمان عندما اختاره النظام ليخلف الدكتور رفعت المحجوب الذي
اغتيل علي أيدي مجموعة إرهابية أصابته بـ8 رصاصات أودت بحياته
يومها فقط حدث الزواج الكاثوليكي بينه وبين الكرسي.
والسيرة الذاتية للدكتور سرور والتي تزين مدخل مبني مجلس الشعب في
شارع قصر العيني وموقعه علي شبكة الإنترنت يكشف عن ثقافة هذا الرجل
وبراعته القانونية فسيرته مليئة بالألقاب وشهادات التقدير والأوسمة،
ولكنها براعة مجروحة بالانحياز للحزب الحاكم وتسخيرها في خدمة أهدافه
وخططه والدفاع المستميت عنه وعن تجاوزاته في حق الوطن.
فمنذ عام 1990 وحتي منتصف برلمان 2000 كان سرور يسيطر وحده
علي مجلس الشعب وأدار مع الراحل كمال الشاذلي البرلمان بمنطق القطيع وتدخل
لحماية عدد كبير من نواب الوطني، وكان تزويغهم هو السمة المميزة لمعظم
جلسات المجلس وتساهل سرور معهم ولم يطبق نص اللائحة حتي تسير الامور
ولكن عندما يأتي التزويغ من نواب المعارضة فاللائحة جاهزه كالسيف.
لم يترك سرور فرصة إلا واستغلها في تعطيل مشروعات المعارضة
الأصلاحية وإفساد خططها في محاربة الفساد وتدخل سرور كثيرا لمنع استجوابات
وطلبات الإحاطة الخاصة بالمعارضة خاصة إذا كانت تتعلق بقضية مصيرية وكان
آخرها منعه لاستجوابات النائب المعارض محمد عبد العليم داود.
وفي منتصف عام 2000 دخل سرور في صراع خفي مع أحمد عز للسيطرة علي
البرلمان وإن كان سرور نجح في أن يهزم عز في البداية من خلال قضية نواب
التجنيد ومزدوجي الجنسية إلا أنه سرعان ما استرد عز عافيته وبدأ في
السيطرة علي البرلمان تدريجيا، وان كانت الأمور في برلمان 2005
اختلفت بسبب سيطرة عز عليه لكن سرور ظل ممسكا بعجلة القيادة علي أساس أن
كلا منهما - سرور وعز - ينفذان أجندة الوطني وبرنامجه الخاص كما أن
سرور بدا أمام النظام يحافظ علي الشكل الديمقراطي ويرسمه ببراعة داخل
المجلس واختلافهما يكون في موضوعات بعيدة عن مصالح النظام وعلي أمور تخص
انصار كل طرف.
سرور واجه اتهامات عديدة من نواب المعارضة فالنائب محمد العمدة اتهم
سرور بتجاهل المطالب المشروعة ودفن عشرات الاستجوابات وطلبات الاحاطة
وخاصة المقدمة ضد الوزراء داخل ادراج مكتبه وتحت المنصة بحجج قانونية
أحيانا وإجرائية احيانا أخري كان يمكن التغاضي عنها للصالح العام وكان
آخرها العديد من الاستجوابات ضد وزراء العلاج علي نفقة الدولة وبالمخالفة
للقانون وفي عمليات تجميل تخص أقاربهم، ما جعل التقارير الدولية تصف
المجلس بأنه من أقل المجالس ممارسة للحياة النيابية الصحيحة.
واجه سرور خلال رئاسته للمجلس أزمات عديدة إلا أن اشهرهما أزمتان
اثبتتا أن ولاءه للنظام حتي ولو علي حساب المصلحة العامة، أولهما عندما
استضاف رئيس الكنيست الإسرائيلي روبي ليفلين لزيارة مصر ومجلس الشعب
وأقام له حفل عشاء دعا إليه عددا من رجال الدولة احتفالا بالزعيم
الإسرائيلي الذي كان يقف ضد خطة الانسحاب من غزة تلك الزيارة
بالطبع كانت بأوامر عليا واختار سرور أن يرضي النظام وقيادات الحزب ولم
يهتم بسيل الهجوم الذي تعرض له بعد ذلك سواء من رجل الشارع العادي أو
المعارضة.
ثاني هذه الأزمات كانت بعد حادث الاعتداء علي الأقباط أمام كنيسة نجع
حمادي أثناء احتفالات أعياد الميلاد في يناير من العام الماضي.. يومها
خرج سرور ليبرر الاعتداء ووصفه بأنه رد فعل طبيعي بسبب اغتصاب مسيحي في
فرشوط لطفلة مسلمة كما انه خرج علي احد القنوات الفضائية ليسب هيئة الدفاع
عن المتهم الأول في القضية بعد طلب شهادته التي رفض الإدلاء بها ليواجه
سرور سيلا من الغضب القبطي لكنه لم يهتم أيضا طالما أنه خرج ليبرئ
النظام ومن وجهة نظره هذا هو الهدف الأسمي.
ويحلل عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق دور فتحي سرور في
افساد المناخ السياسي قائلا ان رئيس مجلس الشعب الحالي قام بأهم 3
أدوار للحزب الحاكم ولن يغفر التاريخ ما قام به علي الإطلاق لأنه أدار
منظومة وسيطر عليها وكان حائط صد أمام هجمات كثيرة كانت ستعصف بالنظام.
أول دور قام به سرور هو مجاراة مايحدث في الحياة السياسية وكان يحاول
أن يحافظ عليها عند مستوي معين فكان بإمكانه مثلا أن يطلق مدافع
الهجوم علي قضية معينة أوجهه بعينها أوحتي دولة يريد أن ينتقدها
النظام وفي الوقت نفسه كانت كتائب التأييد جاهزة لأي قانون أوفعل من
الحكومة.
ويستكمل الأشعل تحليله لدور سرور قائلا: إنه وظف علمه في خدمة ما
يحدث وقدم تبريرات قانونية ودافع عن الخطأ وهو ما يمثل جريمة في حق
الأمة واعتداء علي حقوق أبناء الوطن.
آخر أدوار سرور القانونية هو انه استخدم المجلس لتوظيف السياسة الخاصة
بالحاكم ووقف في وجه المعارضه مشكلا عائقا كبيرا أمام آداء أحد أهم
أدوارها علي الإطلاق وهي المراقبة ومحاسبة الحكومه حيث كان يرفض أي
انتقاد للنظام ويدفن الاستجوابات الهامة في أدراج مكتبه.
وحسب تأكيدات الأشعل فإن سرور يكره مصر وعليه أن يستقيل إذا كان
يريد أن يحافظ علي ما تبقي له من علم ومكانه لأنه غير في شكل الحياة
السياسية ولن ينسي احد موقفه اثناء التعديلات الدستورية الأخيرة التي
ارست التزوير منهجا وشوهت الحياة السياسية وموقفه من تبرير ترشيح الوزراء
ونفيه أنه غير قانوني، ورفضه تطبيق اللائحة عليهم.
الأشعل يلتمس العذر لبعض رجال "الوطني" الذين يرتكبون الأخطاء
دون وعي قانوني أما سرور فقد خرب السياسة عن وعي وعمد وإدراك لذلك فإن
جزاءه الشعبي سيكون عنيفا.