طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ
مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا فَمَنْ يَهْدِهِ
اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[ آل عمران : 102]. {
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً
كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ
وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ] النساء : 1] . { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ
يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } ]الأحزاب : 70-71 ]
"
أما بعدُ؛ فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللّه، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ صلى
الله عليه وسلم ، وشر الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكل بدعة
ضلالةٌ ، وكل ضلالةٍ في النار "
إخوة الإسلام
* عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنَعَ . [1]
* وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ . [2]
إخوة الإسلام
1- الحياة الطيبة فى دين الإسلام وحده
إن الله عز وجل قد أنعم علينا بنعم كثيرة ظاهرة وباطنة لا تعد ولا تحصى كما أخبر بذلك ربنا جل وعلا فقال :{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }
ولكن النعم كلها فى حال وجودها لها نفع محدود وقد توجد النعمة ولا ينتفع
بها الإنسان كمن عنده المال ولا توجد السلع فى الأسواق فلا تستطيع أموال
الدنيا كلها أن تصنع له حبة قمح واحدة وكمن عنده جميع أنواع الطعام
والشراب ولا يستطيع أن يتناول أى شئ منها لمرضه وتحذير الأطباء له بعدم
تناولها .
وهذه النعم نفعها فى الدنيا فقط فإذا مات الإنسان إنقطعت عنه منافع هذه النعم .
ولكن الله عز وجل امتن علينا بنعمة غالية نفعها فى الدنيا موجود ونفعها أيضا بعد الموت ممدود ألا
وهى نعمة الإسلام .
فالإسلام
ليس للآخرة فقط ولكنه للدنيا قبل الآخرة . لأن الله عز وجل الذى خلق عباده
ويعلم جل جلاله أنهم يحبون العاجلة فجعل لهم بعض المنافع العاجلة فى هذه
الدنيا إذا أقاموا دينه حتى تطمئن قلوبهم على موعود الله فى الآخرة
فيقبلوا على إقامة دين الله فى الدنيا .
فالذى يقيم دين الله فى
الدنيا كما أمر الله يتحصل على منافع هذا الدين فى هذه الدنيا مع ما يدخره
له الله عز وجل من النعيم المقيم فى الآخرة لذا قال النبى صلى الله عليه
وسلم : طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنَعَ .
أى له الحياة الطيبة فى الدنيا والآخرة .
فيامن تريد الحياة الطيبة لن تتحصل عليها إلا بالإسلام إعتقاداً وتعلُماً وعملاً ودعوةً وتبليغاً .
فلن تطيب حياتنا إلا بنعمة الإسلام كما أخبرنا بذلك ربنا تبارك وتعالى فقال :
{ مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
فهذا وعدمن الله عز وجل
أن من عمل صالحا والعمل الصالح هو الموافق لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم من ذكر أو أنثى وقلبه مطمئن بالإيمان وهو مؤمن بالله وحده لا
شريك فى ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته بأن يحييه الله حياة طيبة فى
الدنيا وأن يجزيه فى الآخرة بأحسن ما عمل فى الدنيا .وإذا جُوزى الإنسان
بأحسن عمله فى الآخرة طابت حياته فى الجنة . ففى الجنة حياة لاموت فيها
ولا مرض فيها ولا حزن فيها ولا شقاء فيها ولا أرق فيها ولا غم فيها ولاهم
فيها . فهى حياة أبدا وصحة أبدا وسرور أبدا وشباب أبدا وراحة أبدا ونعيم
أبدا .
* فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :إذَا
دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يُنَادِي مُنَادٍ : إِنَّ لَكُمْ أَنْ
تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا
تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا
أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا
فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ{ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }[3]
فالذى يتحصل على الإيمان والأعمال الصالحلة يحيا فى جنة فى الدنيا والآخرة فهى جنة فى الدنيا وجنان فى الآخرة .
جنة الطاعات فى الدنيا وجنان رب الأرض والسموات فى الآخرة .
فالذى
ذاق لذة الطاعات بالأعمال الصالحات لا ينشغل بالشهوات والذى فقد لذة
الطاعات انشغل بطلبها فى الشهوات فضاعت منه جنان الدنيا وجنة الآخرة بعد
الممات .
فهو دين الله من أقامه تحصل على موعود الله ومن ضيعه خسر الدنيا والآخرة .
** فعن الزهري قال : قدمت على عبد الملك بن مروان فقال : من أين قدمت يا زهري ؟ قلت :
من
مكة . قال : فمن خلفت بها يسود أهلها ؟ قلت : عطاء بن أبي رباح . قال :
فمن العرب أم من الموالي [4] ؟ قال : قلت : من الموالي . قال : وبم سادهم
؟ قلت : بالديانة والرواية . قال : إن أهل الديانة الرواية لينبغي أن
يسودوا.
قال : فمن يسود أهل اليمن ؟ قال : قلت : طاووس بن كيسان . قال : فمن العرب أم من الموالي .
قال : قلت : من الموالي . قال: وبم سادهم ؟ قلت : بما سادهم به عطاء . قال : إنه لينبغي .
قال : فمن يسود أهل مصر ؟ قال : قلت : يزيد بن أبي حبيب . قال : فمن العرب أم من الموالي ؟ قال : قلت : من الموالي .
قال:
فمن يسود أهل الشام ؟ قال : قلت : مكحول . قال : فمن العرب أم من الموالي
؟ قال : قلت : من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل .
قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي.
قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال: قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي.
قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال : قلت : الحسن بن أبي الحسن . قال : فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت: من الموالي.
قال : ويلك فمن يسود أهل الكوفة ؟ قال : قلت : إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ . قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت: من العرب.[5]
قال:
ويلك يا زهري فرجت عني والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على
المنابر والعرب تحتها . قال : قلت : يا أمير المؤمنين ؟ إنما هو أمر الله
ودينه من حفظه ساد ومن ضيعه سقط .
** وعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ
أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ وَكَانَ
عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ فَقَالَ : مَنْ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى
أَهْلِ الْوَادِي ؟ فَقَالَ : ابْنَ أَبْزَى . قَالَ : وَمَنْ ابْنُ
أَبْزَى ؟ قَالَ : مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا . قَالَ : فَاسْتَخْلَفْتَ
عَلَيْهِمْ مَوْلًى ؟ قَالَ : إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ .
قَالَ عُمَرُ : أَمَا
إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ : إِنَّ
اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ
.[6]
2- الحياة الطيبة فى ذكر الله تعالى
قال
ابن القيم رحمه الله : "حضرتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية مرَّةً صلّى
الفجرَ، ثم جلس يذكرُ اللهَ تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفتَ
إليَّ وقال: هذه غَدْوَتِي [7]، ولو لَم أتغذَّ هذا الغِذاءَ سقطت
قوَّتِي، أو كلاماً قريباً من هذا"
وقال لي مرة : لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر . [8]
وكان
ابن تيمية يقول في محبسه في القلعة : لوبَذَلْتُ لهم ملء هذه القلعة ذهبا،
ما عدل عندي شكر هذه النعمة، أو قال : ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من
الخير، ونحو هذا .
وكان يقول في سجوده وهو محبوس : (( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ))
ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ } . [الحديد: 13][9]
جاء فى كتاب إصلاح القلوب [10]
اعْلَم - أَصْلَحَ اللّه قَلْبَكَ - بِأَنَّ لِذِكْرِ اللّهِ آثَارًا جَلِيلَةً عَلَى القَلْبِ، مِنْهَا:
أ-
شِفَاءُ القَلْبِ: ذِكْرُ اللّه تَعَالَى دَوَاءُ القَلْبِ، وَالغَفْلَةُ
مَرَضُهُ، فَالقُلُوبُ مَرِيضَةٌ، وَشِفَاؤُهَا فِي ذِكْرِ اللّه تَعَالَى.
كَمَا قِيلَ:
إِذَا مَرِضْنَا تَدَاوَيْنَا بِذِكْرِكُمُ ... فَنَتْرُكَ الذِّكْرَ أَحْيَانًا فَنَنْتَكِسُ .
ب-
جَلَاءُ القَلْبِ: وَذِكْرُ اللّه يُورِثُ جَلَاءَ القَلْبِ مِنْ
صَدَئِهِ. «وَلَا رَيْبَ أَنَّ القَلْبَ يَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ
النُّحَاسُ وَالفِضَّةُ وَغَيْرُهُمَا، وَجَلَاؤُهُ بِالذِّكْرِ،
فَإِنَّهُ يَجْلُوهُ حَتَّى يَدَعَهُ كَالمِرْآةِ البَيضَاءِ؛ فَإِذَا
تَرَكَ الذِّكْرَ صَدِىءَ، فَإِذَا ذَكَرَ جَلَاهُ.
وَصَدَأُ القَلْبِ بِأَمْرَيْنِ: بِالغَفْلَةِ وَالذَّنْبِ، وَجَلَاؤُهُ بِشَيْئَيْنِ: بِالاسْتِغْفَارِ وَالذِّكْرِ».
ج-
حَيَاةُ القَلْبِ: حياةُ القلبِ بدوامِ الذِّكرِ، لا حَيَاةَ لَهُ بِدُونِ
ذَلِكَ أبداً. فَإِنَّهُ «لِلقَلْبِ مِثْلُ المَاءِ لِلسَّمَكِ، فَكَيْفَ
يَكُونُ حَالُ السَّمَكِ إِذَا فَارَقَ المَاءَ؟!».
بَلْ إِنَّ القُلُوبَ المَيِّتَةَ تَحْيَى بِالذِّكْرِ، كَمَا تَحْيَى الأَرْضُ المَيِّتَةُ بِالقَطْرِ.
وَالذِّكْرُ فِيهِ حَيَاةُ القُلُوبِ كَمَا ... يُحْيِي البِلَادَ إِذَا مَا مَاتَتِ المَطَرُ
وَالقَلْبُ
الذَّاكِرُ كَالحَيِّ فِي بُيُوتِ الأَحْيَاءِ، وَالغَافِلُ كَالمَيِّتِ
فِي بِيُوتِ الأَمْوَاتِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبْدَانَ الغَافِلِينَ
قُبُورٌ لِقُلُوبِهِم، وَقُلُوبُهُم فِيهَا كَالأَمْوَاتِ فِي القُبُورِ،
كَمَا قِيلَ:
فَنِسْيَانُ ذِكْرِ اللّه مَوْتُ قُلُوبِهِمُ ... وَأَجْسَامُهُم قَبْلَ القُبُورِ قُبُورُ
وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشور
«فَإِنَّ أَبْدَانَهُم قُبُورٌ لِقُلُوبِهِم، فَقَدْ مَاتَتْ قُلُوبُهُم، وَقُبِرَتْ فِي أَبْدَانِهِم».
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللّه عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ» .[11]
فَحَقِيقٌ
بِالعَبْدِ أَنْ يُنْزِلَ ذِكْرَ اللّه مِنْهُ، «مَنْزِلَةَ حَيَاتِهِ
الَّتِي لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا، وَمَنْزِلَةَ غِذَائِهِ الَّذِي إِذَا
فَقَدَهُ فَسَدَ جِسْمُهُ وَهَلَكَ، وَبِمَنْزِلَةِ المَاءِ عِنْدَ
شِدَّةِ العَطَشِ، وَبِمَنْزِلَةِ اللِّبَاسِ فِي الحَرِّ وَالبَرْدِ».
د-
رِقَّةُ القَلْبِ : اعْلَم بِأَنَّ «فِي القَلْبِ قَسْوَةً لَا يُذِيبُهَا
إِلَّا ذِكْرُ اللّه تَعَالَى، فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُدَاوِيَ
قَسْوَةَ قَلْبِهِ بِذِكْرِ اللّه تَعَالَى؛ لأَنَّ القَلْبَ كُلَّمَا
اشْتَدَّتْ بِهِ الغَفْلَةُ، اشْتَدَّت بِهِ القَسْوَةُ، فَإِذَا ذَكَرَ
اللّهَ تَعَالَى، ذَابَتْ تِلَكَ القَسْوَةُ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ فِي
النَّارِ، فَمَا أُذِيبَتْ قَسْوَةُ القُلُوبِ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللّهِ
عَزَّ وَجَلَّ» .
وشكا رجل للحسن البصري قسوة قلبه فقال أدبه بالذكر .
قَالَ اللّهُ تَعَالَى :
{ أَلَمْ
يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ
وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ
وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي
الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ (17) } [الحديد: 16-17].
فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى
أَنَّ مَنْ قَدِرَ عَلَى إِحْيَاءِ الأرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا بِوَابِلِ
القَطْرِ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ القُلُوبِ المَيِّتَةِ
القَاسِيَةِ بِالذِّكْرِ .
عَسَى مَنْ أَحْيَى الأَرْضَ المَيِّتَةَ بِالقَطْرِ، أَنْ يُحِييَ القُلُوبَ المَيِّتَةَ بِالذِّكْرِ .
هـ-
تَنْبِيهُ القَلْبِ : وَالذِّكْرُ «يُنَبِّهُ القَلْبَ مِنْ نَوْمِهِ،
وَيُوقِظُهُ مِنْ سِنَتِهِ، وَالقَلْبُ إِذَا كَانَ نَائِمًا فَاتَتْهُ
الأَرْبَاحُ وَالمَتَاجِرُ، وَكَانَ الغَالِبُ عَلَيْهِ الخُسْرَانَ،
فَإِذَا اسْتَيْقَظَ وَعَلِمَ مَا فَاتَهُ فِي نَوْمَتِهِ شَدَّ
المِئْزَرَ، وَأَحَيَى بَقِيَّةَ عُمُرِهِ، وَاسْتَدْرَكَ مَا فَاتَهُ،
وَلَا تَحْصُلُ يَقَظَتُهُ
إِلَّا بِالذِّكْرِ، فَإِنَّ الغَفْلَةَ نَوْمٌ ثَقِيلٌ» .
و-
نُورُ القَلْبِ : الذكرُ نُورٌ في القَلْبِ . فَمَا اسْتَنَارَتِ
القُلُوبُ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللّهِ تَعَالَى. وَالشَّأْنُ كُلُّ الشَّأْنِ،
وَالفَلَاحُ كُلُّ الفَلَاحِ فِي النُّورِ، وَالشَّقَاءُ كُلُّ الشَّقَاءِ
فِي فَوَاتِهِ . وَإذا "اسْتَنَارَ القَلبُ أَقْبَلَت وُفُودُ الخَيراتِ
إِلَيهِ مِنْ كُلِّ نَاحيَةٍ، كَمَا أَنَّهُ إِذا أَظْلَمَ أقْبَلَتْ
سَحَائِبُ البَلاءِ وَالشَّرِّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ".
وقال صاحب كتاب غذاء الألباب شرح منظومة الآداب
قَالَ
الإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَوَّحَ اللَّهِ رُوحَهُ فِي
كِتَابِهِ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ سَمِعْت شَيْخَ
الإِسْلامِ ابْنَ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ : إنَّ فِي
الدُّنْيَا جَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ
الآخِرَةَ .
قَالَ وَقَالَ لِي مَرَّةً : مَا يَصْنَعُ أَعْدَائِي
بِي أَنَا جَنَّتِي وَبُسْتَانِي فِي صَدْرِي أَيْنَ رُحْت فَهِيَ مَعِي
لا تُفَارِقُنِي , أَنَا حَبْسِي خَلْوَةٌ , وَقَتْلِي شَهَادَةٌ ,
وَإِخْرَاجِي مِنْ بَلَدِي سِيَاحَةٌ .
وَقَالَ لِي مَرَّةً : الْمَحْبُوسُ مَنْ حُبِسَ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ , وَالْمَأْسُورُ مَنْ أَسَرَهُ هَوَاهُ .
قَالَ
: وَعَلِمَ اللَّهُ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَطْيَبُ عَيْشًا مِنْهُ قَطُّ
مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ وَخَلاقِ[12] الرَّفَاهِيَةِ
وَالنَّعِيمِ بَلْ ضِدِّهَا مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَبْسِ
وَالتَّهْدِيدِ وَالإِرْجَافِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَطْيَبُ النَّاسِ
عَيْشًا وأشرحهم صَدْرًا , وَأَقْوَاهُمْ قَلْبًا وَأَسَرُّهُمْ نَفْسًا
تَلُوحُ نَضِرَةُ النَّعِيمِ عَلَى وَجْهِهِ .
قَالَ : وَكُنَّا إذَا
اشْتَدَّ بِنَا الْخَوْفُ وَسَاءَتْ مِنَّا الظُّنُونُ وَضَاقَتْ بِنَا
الأَرْضُ أَتَيْنَاهُ فَمَا هُوَ إلا أَنْ نَرَاهُ وَنَسْمَعَ كَلامَهُ
فَيَذْهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ , وَيَنْقَلِبَ انْشِرَاحًا وَقُوَّةً
وَيَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً , فَسُبْحَانَ مَنْ أَشْهَدَ عِبَادَهُ
جَنَّتَهُ قَبْلَ لِقَائِهِ وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابَهَا فِي دَارِ
الْعَمَلِ فَأَتَاهُ مِنْ رُوحِهَا وَنَسِيمِهَا وَطِيبِهَا مَا استفرغ
قُوَاهُمْ لِطَلَبِهَا وَالْمُسَابَقَةِ إلَيْهَا .
وقال مالك بن دينار : ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله .[13]
وقال
بعضهم: مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا:
وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه،
والإقبال عليه، والإعراض عما سواه .[14]
3- إن الحياة الطيبة فى معرفة الله عز وجل
جاء فى مجموع الفتاوى
فَإِنَّ
اللَّذَّةَ وَالْفَرْحَةَ وَالسُّرُورَ وَطِيبَ الْوَقْتِ وَالنَّعِيمَ
الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فِي مَعْرِفَةِ
اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ :
وَانْفِتَاحِ الْحَقَائِقِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ
الْقُرْآنِيَّةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ : لَقَدْ كُنْت فِي حَالٍ
أَقُولُ فِيهَا : إنْ كَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ
إنَّهُمْ لَفِي عَيْشٍ طَيِّبٍ . وَقَالَ آخَرُ : إنه لَتَمُرُّ عَلَى
الْقَلْبِ أَوْقَاتٌ يَرْقُصُ فِيهَا طَرَبًا وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا
نَعِيمٌ يُشْبِهُ نَعِيمَ الْآخِرَةِ إلَّا نَعِيمَ الْإِيمَانِ
وَالْمَعْرِفَةِ . وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : " { أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ } وَلَا يَقُولُ : أَرِحْنَا مِنْهَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ تَثْقُلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ }
قلت محمود : ترقص قلوبهم طربا بطاعة الله وطربا بذكر الله تعالى وطربا بقراءة القرآن .
أما
نحن فلا تطرب قلوبنا إلا بذكر الأموال والأطيان والدنيا وسماع اللهو
والغناء إلا من رحم الله . وهذا بخلاف ما يدعيه مدعى التصوف من رقص
الأجساد واختلاط الرجال مع النساء . فإن العلماء العاملين والأولياء
الصالحين يكتمون ما بينهم وبين الله حتى لا يُفتنوا فى دينهم وهروبا من
النفاق لذا كان عامة عملهم بالليل حتى لا يراهم أحد من الناس .
وهذا
مشهور عنهم فقد نقل عن زائدة : ( صام منصور أربعين سنة وقام ليلها وكان
يبكي الليل كلَّه, فإذا أصبح كحل عينيه، وبرق شفتيه، ودهن رأسه، قال فتقول
له أمه : أقتلتَ قتيلاً ؟ فيقول : أنا أدرى بما صنعَتْ نفسي.. وكان قد عمش
من البكاء)[15]
وكان منصور من العُبّاد صام ستين سنة وقامها , وكان
جيرانه يحسبونه بالليل في الصيف خشبةً قائمة , فلما مات كانوا يقولون
الخشبة ما فعلت !
قالت ابنة لجار منصور بن المعتمر لأبيها : يا أبت !
أين الخشبة التي كانت في سطح منصور قائمة ؟! قَالَ : يا بنية ! ذاك منصور
كان يقوم بالليل .
وكان منصور يصلي في سطحه فلمّا مات ، قَالَ غلامٌ
لأمه : يا أمه الجذع الذي كان في سطح آل فلان ليس أراه ، قالت : يا بني
ليس ذاك جذعًا ؛ ذاك منصور قد مات .[16]
وقال أحمدُ بنُ عاصم
الأنطاكيُّ : أحبُّ أنْ لا أموتَ حتّى أعرفَ مولاي ، وليس معرفتُه الإقرار
به ، ولكن المعرفة التي إذا عرفته استحييت منه .[17]
قال الله تعالى :
{
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا
قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ
يَذْكُرُونَ
اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى
هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن
تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143) } ( النساء )
4- الحياة الطيبة فى قيام الليل
جاء فى موسوعة الرد على الصوفية
قال بعض السلف : أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا .
وقال غيره : ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث : قيام الليل، ولقاء الإخوان، وصلاة الجماعة .
قال بعضهم : أنا منذ أربعين سنة ما أزعجني إلا طلوع الفجر .
وبكى
أحد الصحابة عند موته فسؤل عما يبكيه فقال : والله لا أبكي على دنياكم ولا
أبكي على فراقكم، ولكن أبكي على طول ظمأ الهواجر، وقيام ليالي الشتاء
الطويلة .
وكان أحد السلف يبكى إذا طلع الفجر لأنه ما قضى نهمته من قيام الليل .[18]
وقالأبو
سليمان الداراني: لو لا قيام الليل ما أحببت البقاء في الدنيا وما أحب
الدنيا لغرس الاشجار ولا لكرى الانهار.وإنما أحبها لصيام الهواجر وقيام
الليل.
وقال أيضا : ربما استقبلني الفرح في جوف الليل، وربما رأيت القلب يضحك ضحكا . [19]
5- إن الحياة الطيبة فى العمل بالكتاب والسنة
شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - للغنيمان - (86 / 3)
جاء في تفسير قوله جل وعلا: { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى
} [طه:123] يقول ابن عباس : لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الدنيا قبل
الآخرة، وليس معنى الشقاء : كونه يتعب في بدنه في العبادة أو يقوم الليل
أو يصوم النهار، هذا ليس شقاءً ولا تعباً، هذا يكون نعيماً، وأهل الطاعة
تكون أبدانهم أقوى من أبدان أهل المعصية، وإن كانوا يتنعمون بالملذات.
أحد
السلف مضى عليه تسعون سنة، فكان يثب كوثوب الشباب فقال له رجل من
الحاضرين: ارفق بنفسك فإنك كبير السن، فقال له: هذه جوارح حفظناها في
الصغر عن معاصي الله؛ فحفظها الله جل وعلا لنا في الكبر.
والله جل وعلا يحفظ عبده الذي يحفظ جوارحه عن المعاصي والمخالفات، كما في حديث ابن عباس في وصية النبي صلى الله عليه وسلم: ( احفظ الله يحفظك
)، الحفظ يكون على نوعين: حفظ في الدين والعقيدة، وهذا أهم شيء يحفظه الله
جل وعلا في دينه وعقيدته فلا يتزعزع، ولا يدخل في الشكوك والانحرافات.
وحفظ يكون في بدنه وجوارحه كالسمع والبصر وغيرها؛ لأنه لا يصيب الإنسان مصيبة بمرض أو غيره إلا من جراء ذنوبه، قال جل وعلا : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى:30].
وأوصى
الحسن البصري رحمه الله أصحابه في الجهاد فقال : إنهم وإن هملجت بهم
البغال، وطقطقت بهم البراذين؛ فإن ذل المعصية لفي قلوبهم، أبى الله إلا أن
يذل من عصاه،
فالمعصية فيها ذل وخزي،
وفيها هدم للعمر والروح؛ لأنها محاربة لله جل وعلا،
وفيها نزع البركة من البدن والجوارح والأعمال،
وفيها
أيضاً ظلمة في القلب، ووحشة فيما بينه وبين كل من يدور حوله في حياته، يجد
قلبه يخفق دائماً، حتى لو حركت الريح الباب وجدته يفزع ويخاف ما الذي حدث؟
ما الذي صار؟ أما أهل الطاعة فعندهم الطمأنينة والسكون؛ لأنهم يعرفون أن
ما يصيبهم فبإذن ربهم، فيرضون ويسلمون وينقادون.
6- إن الحياة الطيبة فى الإيمان بالله عز وجل
حلاوة
الإيمان هي التي يجدها الإنسان في عبادته لربه جل وعلا من شيء يكون في
القلب، ويكون في الجوارح، ثم الشيء الذي يؤمله ويرجوه في المستقبل فإنه
يثق بربه جل وعلا وثوقاً لا يكون فيه إذلال، ولا يكون فيه غرور، ولا يمنعه
من الاجتهاد؛ لأنه يعرف قدره هو, ولكنه يعرف فضل ربه جل وعلا.
لما حضرت الوفاة بلالاً رضي الله عنه كانت زوجته قريبة منه وهي تقول: واكرباه!فقال: واقرباه! غداً ألقى الأحبة، محمداً وحزبه.
فهو
يفرح ويستبشر، هكذا يكون العبد في أحلك المواقف وأشدها فرحاً مطمئناً؛ لأن
حلاوة الإيمان عنده،والطاعة التي يجدها أنه يفعلها على بصيرة،وليس كمن
يفعل شيئاً ويقول: ما أدري هل هذا صواب أولا ؟ ما أدري هل أنا على حق أم
أنا على باطل ؟ المقصود : أن حلاوة الإيمان ليست شيئاً خالياً في قلبه أو
شيئاً يتصوره في العقل فقط، ولا يجده في قلبه ولا في بدنه، كلا، بل هو كما
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: يجد حلاوة الإيمان في قلبه، وهذه الخصال
الثلاث إذا اجتمعت فيه تامة فإنه يجد حلاوتها، أما إذا وجد بعضها دون بعض
فلا يلزم أن يجد حلاوتها, قد لا يجد وقد يجد, وقد يجد شيئاً ضعيفاً, وإنما
يجد الحلاوة من اجتمعت فيه هذه الثلاثة الأمور.
معنى حلاوة الإيمان عند العلماء
[
قال السيوطي رحمه الله في التوشيح : (وجد حلاوة الإيمان) فيه استعارة
تخييلية، شبه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو، وأثبت له لازم ذلك الشيء,
وأضافه إليه.
وقال النووي : معنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات,
وتحمل المشاق, وإيثار ذلك على أغراض الدنيا، ومحبة العبد لله بفعل طاعته,
وترك مخالفته, وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ].
في الواقع أن هذه ثمرة وجود الإيمان، استلذاذ الطاعات هي ثمرة ذلك ونتائجه.
[ قال يحيى بن معاذ : حقيقة الحب في الله: أن لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء ].
معنى
قوله: (لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء) البر: هو أن يحسن إليك الذي
أحببته, ويصلك بأمور الدنيا, أو بنفع البدن بالخدمة وغير ذلك، فلو فعل ذلك
ما زاد حبه؛ لأن الحب ليس لهذا، الحب لله (ولا ينقص بالجفاء)، لو مثلاً
جفاك، وأصبح لا يزورك ولا يكلمك ولا يصلك, وانقطعت الصلة بينك وبينه, وليس
ذلك عن عداوة، بل مجرد أنه لا يأتي أو أنه مشغول أو غير ذلك، فلا تنقص
المحبة من أجل ذلك, لأنها ليست لأمر نفع دنيوي, وإنما هي لشيء قام به وهو
طاعة الله، فهو يحب لله، وليس لذاته ولا لشيء يقدمه, وإنما يحب لأنه يحب
الله, فأنت تحبه لأنه يحب حبيبك، إذا كانت أمور الدنيا بهذه المثابة لا
تزيد ولا تنقص سواء جاءت أو ذهبت، فالمحبة لله أعظم، أما المحبة للدنيا
وللناس فهذه ما تجدي شيئاً,فهذه تنقطع بسرعة، لما حصلت مبادلة النفع زادت،
فإذا نقصت أو زالت ذهب ذلك وزال لأنه ليس لله، وكل ما لم يكن لله فهو زائل
وذاهب لأنه باطل، وإنما يثبت الحق الذي لله جل وعلا.
قلت محمود : إن
حلاوة الإيمان تغلب ما يجده العبد من المشاق عند القيام بالأعمال التعبدية
. كمن يسعى لتحصيل المال فإنه يكابد المشاق فإذا تحصل على المال أذهب
المال ما كابده من المشاق .
** فعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ
الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا .[20]
** وعَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ثَلَاثٌ
مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ
الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي
الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ
يُقْذَفَ فِي النَّارِ .[21]
** وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ .[22]
7- الحياة الطيبة لمن قام بالمطلوب ذكرا كان أم أنثى
قال الله تعالى :
مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم
بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)
وقوله عز وجل : مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ليعلم الجميع أن عطاء الله عز وجل لمن قام بالمطلوب
فمن أدى المطلوب تحصل على الموعود لا فرق فى ذلك بين الذكر والأنثى .
فالرجولة لا تغنى عنك شيئا إن لم تؤمن وتعمل صالحا والأنوثة لا تضر شيئا مع الإيمان والأعمال الصالحة .
فكم من امرأة تزن رجالا وكم من رجل لا وزن له .
قال تعالى : { وَضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ
رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ
فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
(11)وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا
فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا
وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) } التحريم .
قلت
محمود : فهذه المرأة التى قالت ربى الأعلى هو الله وهى زوجة من يقول أنا
ربكم الأعلى فأنزل بها هذا المجرم صنوف العذاب وألوانه ومع ذلك لم تترد
ولم تتراجع ولم تتنازل عن دينها . فكم تساوى هذه المرأة من الرجال الذين
لا يقيمون لله أمرا ولا نهيا وهم يقدرون على ذلك ولا يمنعهم من ذلك أحد .؟
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ :
وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ كَمَـنْ ذُكِـرْنَا لَفُضِّلَتْ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَـالِ
فَمَا التَّأْنِيثُ لِاسْمِ الشَّمْسِ عَيْبٌ وَلَا التَّـذْكِيرُ فَخْـرٌ لِلْهِـلَالِ
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ اقْرَءُوا { فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا }[23]
قال
ابن رجب : " باع قوم من السلف جارية ، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون
له ويستعدون بالأطعمة وغيرها ، فسألتهم ؟ فقالوا : نتهيأ لصيام رمضان ،
فقالت : و أنتم لا تصومون إلا رمضان ؟ لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان
ردوني عليهم .
وقال : باع الحسن بن صالح جارية له ، فلما انتصف الليل
قامت فنادتهم : يا أهل الدار الصلاة الصلاة . قالوا : طلع الفجر ؟ قالت :
أنتم لا تصلون إلا المكتوبة ، ثم جاءت الحسن فقالت : بعتني على قوم سوء لا
يصلون إلا المكتوبة ردني ردني .
قلت محمود : ألست تتفق معى أن هاتان الجاريتان المملوكتان أفضل من كثير من الرجال الأحرار؟
وأظن
أننا إذا نادينا على الرجال وأقصد بالرجال الذين تتوفر فيهم صفات الرجولة
من الأقوال والأفعال . لا أقصد من يسمون أنفسهم رجالا أو أن لهم هيئة
كهيئة الرجال وهم ليسوا منهم بل هم ذكور فالرجولة من هؤلاء براء . والفرق
كبير بين الرجولة والذكورة . فكل رجل ذكر وليس كل ذكر رجلا . فهيهات هيهات
أن يسمعك أو يجيبك أحد وكأنك تنادى فى أهل القبور .
وكما قال القائل :
لَقَد أَسمَعت لَو نادَيت حَياً وَلَكن لا حَياةَ لِمَن تُنادي
وَلَو ناراً نفخت بِها أَضاءَت وَلَكن أَنتَ تَنفخ في رَماد
وكما قال القائل :
لمَّا تَبَدَّلَـتِ المَجَالِسُ أَوْجُهـاًغَيْرَ الَّذِيْنَ عهِـدْتُ مِنْ عُلَمَائِهَا
وَرَأَيْتُهَا مَحْفُوفَةً بِسِوَى الأوْلَىكَانُوا وُلاَةَ صُـدُورِهَا وَفِنَائِهَـا
أَنْشَـدْتُ بَيْتاً سَائِراً مُتَقَـدِّماًوالعَيْنُ قَدْ شَرِقَتْ بِجَارِيَ مَائِهَـا
أَمَّا الخِيَامُ فَإِنَّهَـا كَخِيَـامِهِمْوَأَرَى رِجَالَ الحَيِّ غَيْرَ رِجَالِهَـا
وكما قال الشافعي :
نَعِيبُ زمانَنـا والعيبُ فينـا ... وما لزماننـا عيبٌ سـوانا
وقد نهجُو الزمانَ بغير جُـرْم ... ولو نطق الزمانُ بنا هجانـا
فدُنْيانـا التصنُـعُ والترائـيً ... ونحن به نُخـادع من يرانا
وليس الذئبُ يأكل لحمَ ذئبٍ ... ويأكلُ بعضُنا بعضاً عِيانـا
وكما قال القائل :
وآلمني وآلم كل حر …سؤال الدهر أين المسلمونا؟.
ولا نملك من إجابة على هذا السؤال إلا أن نذكر الدهر بأمجادنا التي أقمناها في هذا العصر عصر الانحطاط.
سؤال الدهر عن قومي جحود وإجحاف بحق المسلمينا
أما سجلت يا دهر افتخارا ومجدا بالملاهي قد بنينا
ألم تسمع أغان صاخبات بعزف العود صغناها لحونا
لنا في كل يوم ألف نجم ونجم صاعد في الصاعدينا
ألم ترنا غزونا كل ناد ألم تر كم نساء قد سبينا
ألم تسأل نساء الشرق عنا ومن صولاتنا ماذا لقين
إذا ما كنت في شك وريب فسائل عن بطولتنا الصحونا
فصحن الرز نملأ جانبيه ونجعل فوقه كبشا سمينا
فمنا من يجاذبه شمالا ومنا من ينازعه يمينا
ونبلي فيه تمزيقا وطعنا ونفتح بطنه فتحا مبينا
كذلك من يحاول ظلم قومي سيصبح عبرة للعالمينا
سنمطره بإنكار وشجب فعند الحق نأبى أن نلينا
فدباباتهم في بيت لحم ومنتجعاتنا في طور سينا
فمنتصرون لكن للأعادي ومنتقمون لكن من أخينا[24]
فلو
نادينا على الرجال الذين يجب أن تتوفر فيهم صفات الرجولة فأظن أننا سنكون
كهذا الجائع الذى طرق باب رجل بخيل يرجو ما يسد به جوعه فدخل قرية من
القرى فتوجه إلى أقرب بيت لعله يجد من يضيفه فطرق الباب , وقال رجل فقير
وابن سبيل جائع . فسمعه صاحب البيت وكان بخيلا فسكت لعل هذا الفقير ينصرف
إلى بيت غيره .
فطرق أخرى وأخرى
فلما أيس من أن يرد عليه أحد ..
خاطب نفسه بصوت مسموع ( أين الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )؟؟؟
فسمعه البخيل ورد قائلا : ( ذهبوا مع الذين لا يسألون الناس إلحافا )
أو
كهذا البخيل الذى أعطاه أحد الوزراء مائة ألف دينار ، حتى أصبح بها من
الأغنياء الكبار ، فقال له جيرانه ، هنيئاً لك المبلغ الكبير ، فقال :
والله ما هو بكثير ، وعندي زوجة وطفل صغير ، فإذا أراد أن يخرج منها
دينارا ، قبَّله مرارا ، وقال : بأبي أنت وأمِّي ، ما أطيبك حيّا ، وما
أطيبك ميتا .
وقل صدق الله حيث قال : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) }
وقوله تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } أي: مضت قلت محمود : أى خلت منهم الدنيا فلا يوجد أحد { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ }
أي: إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم
إليهم إذا لم تفعلوا خيرًا يعودنفعهُ عليكم، فإن لهم أعمالهم التي عملوها
ولكم أعمالكم: { وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[25]
8- والحياة الطيبة ليست بكثرة الأموال ولا بكثرة الزراعات ولا الصناعات ولا التجارات
فكم من غنى الجيب فقير القلب وكم من فقير الجيب غنى القلب
* فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ .[26]
للموضوع بقية
[1] السلسلة الصحيحة - مختصرة - (ج 4 / ص 639)رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم .
[2] صحيح مسلم - (ج 5 / ص 276)
[3] صحيح مسلم
[4]مقالة التعطيل والجعد بن درهم - الموالى: هم المنسوبون إلى القبائل مطلقاً، وهم ثلاثة أقسام:
1- ولاء عتق: وهو الغالب بحيث ينسب إلى من أعتقه .
الموسوعة الفقهية الكويتية -
الْعِتْقُ فِي اللُّغَةِ الْحُرِّيَّةُ .
وَاصْطِلاَحًا : هُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ يَصِيرُ بِهَا الْعَبْدُ أَهْلاً لِلتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَّلاَءِ وَالْعِتْقِ أَنَّ الْعِتْقَ سَبَبٌ لِلْوَلاَءِ .
2 - ولاء إسلام: وذلك بأن يسلم الأعجمي على يد عربي .
3- ولاء الحلف: وذلك بأن يكون الشخص حليفاً لقبيلة فينسب إليها. انظر المنهل الراوي من تقريب النواوي ص199-200.
[5]التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح - المكتبة السلفية
[6]صحيح مسلم - (4 / 252)
[7] ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة - (1 / 108)
أي غدائي، ويقصد به الغداء المعنوي الروحي، فشبهه بالطعام الذي تقوم به القوى؛ لأن العبادة تقوى بها الروح وتسمو.
والغُدْوَةُ: ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس (مختار الصحاح، مادة غدا).
[8]المفصل في شرح آية لا إكراه في الدين
[9]موسوعة الرد على الصوفية -
[10] كتاب إِصْلَاحُ الْقُلُوب لعَبْدُ الهَادِي بْنُ حَسَن وَهْبِي
[11]رواه البخاري ، ومسلم .
[12]وردت فى بعض الكتب :وَخِلاَفِ
[13]التوبة وظيفة العمر
[14]الولاء والبراء - القحطاني
[15] صفة الصفوة
[16] موسوعة البحوث والمقالات العلمية - ( / 17)
[17]جامع العلوم والحكم محقق - (21 / 16)
[18]دروس للشيخ عائض القرني
كان
ابن عمر - فيما أُثِر عنه ونَقَل عنه ذلك بعض المفسرين - أنه إذا قرأ قوله
تعالى : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ
بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ }
[سبأ:54] يبكي ويقول: [[ اللهم لا تحل بيني وبين ما أشتهي، قالوا: ماذا
تشتهي يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: أشتهي أن أقول: لا إله إلا الله في قبري
أخاف أن يُحال بيني وبينها ]] هل سمعتم بمقبور يقول: لا إله إلا الله؟ هل
سمعتم بميت يصلي في قبره؟ وهل سمعتم بمدفون يصوم في قبره؟ { وَحِيلَ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ
قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ } [سبأ:54] ولذلك ذُكر في
ترجمة علي رضي الله عنه أنه مر بمقابر الكوفة فقال: [[ السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته، أنتم سلفنا ونحن الأثر، أما ظهور مقابركم فجميلة، لكن يا
ليت شعري ما في بواطنها! ما هي أخباركم؟ أما أخبارنا فالبيوت سُكِنَت،
والزوجات تزوَّجت، والأموال قُسِّمت، هذه أخبارنا، فما أخباركم؟ ثم بكى،
وقال: سكتوا ولو نطقوا لقالوا: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ]].