عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا نتحدث عن حجة الوداع والنبي صلى اللهعليه وسلم بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع حتى حمد الله ورسول الله صلىالله عليه وسلم وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره وقال مابعث الله من نبي إلا أنذره أمته أنذره نوح والنبيون من بعده وإنه إن يخرجفيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم إن ربكم ليس بأعور وإنه أعورعين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكمكحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت قالوا نعم قالاللهم اشهد ثلاثا ويلكم أو ويحكم انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكمرقاب بعض رواه البخاري وروى مسلم بعضه
الشرح
قال المؤلف رحمه اللهتعالى فيما نقله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال كنا نقول والنبيحي ما حجة الوداع وحجة الوداع هي الحجة التي حجها النبي صلى الله عليهوسلم في السنة العاشرة من الهجرة وودع الناس فيها وقال لعلي ألقاكم بعدعامي هذا ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلا هذه المرة فقطوقد ذكر أنه حج قبل الهجرة مرتين ولكن الظاهر والله أعلم أنه حج أكثر لأنهكان هناك في مكة وكان يخرج في الموسم يدعو الناس والقبائل إلى دين الله عزوجل فيبعد أنه يخرج ولا يحج وعلى كل حال الذي يهمنا أنه صلى الله عليهوسلم حج في آخر عمره في السنة العاشرة من الهجرة ولم يحج قبلها بعد هجرتهوذلك لأن مكة كانت بأيدي المشركين إلى السنة الثامنة من الهجرة ففتحهاالنبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في السنة الثامنة ثم خرج بعد ذلك إلىالطائف وغزا ثقيفا وحصلت غزوة الطائف المشهورة ثم رجع بعد هذا ونزل فيالجعرانة وأتى بعمرة ليلا ولم يطلع عليه كثير من الناس ثم عاد إلى المدينةهذا في السنة الثامنة وفي السنة التاسعة كانت الوفود إلى النبي من كلناحية فبقى في المدينة ليتلقى الوفود حتى لا يثقل عليهم بطلبه حتى إذا جاءالوفود إلى المدينة وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتعبوا في طلبهويلحقونه يمينا وشمالا فلم يحج في السنة التاسعة لتلقي الوفود هذا من وجهومن وجه آخر في السنة التاسعة حج مع المسلمين المشركون لأنهم لم يمنعوا مندخول مكة ثم منعوا من دخول مكة وأنزل الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَالْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليهوسلم بأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وكان أمير الناس فيتلك الحجة أعني حجة سنة تسع أبا بكر رضي الله عنه ثم أردفه النبي بعلي بنأبي طالب في السنة العاشرة وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيحج وقدمالمدينة بشر كثير يقدرون نحو مائة ألف والمسلمون كلهم مائة وأربعة وعشرونألفا أي لم يتخلف من المسلمين إلا القليل فحجوا مع النبي صلى الله عليهوسلم هذه الحجة التي سميت حجة الوداع لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودعالناس فيها بقوله لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا فصار الأمر كذلك فإنه توفيبعد رجوعه من المدينة في ربيع الأول أي بعد حجة فمضى محرم وصفر واثنا عشريوما من ربيع الأول صلوات الله وسلامه عليه كان صلى الله عليه وسلم في حجةالوداع يخطب الناس خطبهم في عرفة وخطبهم في منى # فذكر المسيح الدجال وعظممن شأنه وحذر منه تحذيرا بالغا وفعل ذلك أيضا في المدينة ذكر الدجال وحذرمنه وبالغ في شأنه حتى قال الصحابة كنا نظن أنه في أفراخ النخل أي قد جاءودخل من شدة قول النبي فيه ثم أخبر عليه الصلاة والسلام أنه ما من نبي إلاأنذره قومه فكل الأنبياء ينذرون قومهم من الدجال يخوفونهم ويعظمون شأنهعندهم وإنما كانوا ينذرون قومهم الدجال مع أن الله يعلم أنه لن يكون إلافي آخر الدنيا من أجل الاهتمام به وبيان خطورته وأن جميع الملل تحذر منهلأن هذا الدجال وقانا الله وإياكم فتنته وأمثاله هذا الدجال يأتي إلىالناس يدعوهم إلى أن يعبدوه ويقول أنا ربكم وإن شئتم أريتكم أني ربكمفيأمر السماء يقول لها أمطري فتمطر ويأمر الأرض فيقول لها أنبتي فتنبت أماإذا عصوا أمر الأرض فأمحلت والسماء فقحطت وأصبح الناس ممحلين هذا لا شكأنه خطر عظيم لاسيما في البادية التي لا تعرف إلا الماء والمرعى فيتبعهأناس كثيرون إلا من عصم الله ومع هذا فله علامات بينة تدل على أنه كذابمنها أنه مكتوب بين عينيه كافر ( ك . ف . ر . ) يقرأها المؤمن فقط وإن كانلا يعرف القراءة ويعجز عنها الكافر وإن كان يقرأ لأن هذه الكتابة ليستكتابة عادية إنما هي كتابة إلهية من الله عز وجل ومن علاماته أنه أعورالعين اليمنى والرب عز وجل ليس بأعور الرب عز وجل كامل الصفات ليس فيصفاته نقص بوجه من الوجوه أما هذا فإنه أعور عينه اليمنى كأنها عنبة طافيةوهذه علامة حسية واضحة كل يعرفها فإن قال قائل إذا كان فيه هذه العلامةالحسية فكيف يفتن الناس به نقول إن الله قال في كتابه وَمَا تُغْنِيالآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ الذين أضلهم الله لاتنفعهم علامات الضلال تحذيرا ولا علامات الهدى تبشيرا ولا يستفيدون منآيات الله ودلائل وحدانيته وألوهيته وإن كانت العلامات ظاهرة ثم بينالرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه العلامات لا تخفى على أحد وبين في حديثآخر أنه إن خرج والنبي فيهم فهو حجيجه دونهم يحجه النبي صلى الله عليهوسلم ويكشف زيغه وضلاله قال وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه واللهخليفتي على كل مسلم فوكل الله عز وجل فالحاصل أن الرسول عليه الصلاةوالسلام حذر من الدجال تحذيرا بالغا وأخبر أن الدجال الأكبر يخرج في آخرالزمان ويبقى في الأرض أربعين يوما فقط ولكن اليوم الأول كسنة اثنا عشرشهرا تبقى الشمس في أوج السماء ستة أشهر من المشرق إلى المغرب ما تغيب هذهالفترة الطويلة وتبقى غائبة ليلا ستة أشهر هذا أول يوم واليوم الثاني كشهروالثالث كجمعة وبقية الأيام كسائر الأيام سبعة وثلاثون يوما كسائر الأياملما حدث النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بهذا الحديث لم يستشكلوا كيفتبقى الشمس سنة كاملة ما تدور على الأرض وهي تدور عليها في كل أربع وعشرينساعة فقدرة الله فوق ذلك وأن الله على كل شيء قدير والصحابة لا يسألون فيالغالب عن المسائل الكونية والقدرية لأنهم يعلمون قدرة الله عز وجل لكنيسألون عن الأمور التي تهمهم وهي الأمور الشرعية فلما حدثهم بأن اليومالأول كسنة قالوا يا رسول الله اليوم الذي كسنة هل تكفينا فيه صلاة واحدةقال لا اقدروا له قدرة يعني قدروا ما بين الصلاتين وصلوا مثلا إذا طلعالصبح نصلي الصبح إذا انقضى الوقت ما بين الصبح والزوال صلينا الظهر حتىلو كانت الشمس في أول المشرق وهي تكون أول المشرق لأنها تبقى ستة أشهركاملة فيقدرون له قدرة إذن نصلي في اليوم الأول صلاة سنة والصيام نصومشهرا ونقدر للصوم والزكاة كذلك وهذا ربما يلغز بها فيقال مال لم يمض عليهإلا يوم وجبت فيه الزكاة كذلك اليوم الثاني نقدر فيه صلاة شهر والثالثصلاة أسبوع وبعده تعود الأيام كما هي وفي إلهام الله للصحابة أن يسألواهذا السؤال عبرة لأنه يوجد الآن في شمالي الأرض وجنوبي الأرض يوجد أناستغيب عنهم الشمس ستة أشهر وتطلع عليه ستة أشهر لولا هذا الحديث لأشكل علىالناس كيف يصلي هؤلاء وكيف يصومون لكن الآن نطبق هذا الحديث على حال هؤلاءفنقول هؤلاء الذين تكون الشمس عندهم ستة أشهر كاملة يقدرون للصلاة وقتهاكما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في أيام الدجال