عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتقوا الظلم فإنالظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهمعلى أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم رواه مسلم
الشرح
قال المؤلفرحمه الله تعالى ( باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم ) يعني إلى أهلهاهذا الباب يشتمل على أمرين الأمر الأول تحريم الظلم والأمر الثاني وجوب ردالمظالم واعلم أن الظلم هو النقص قال الله تعالى كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِآتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا يعني لم تنقص منه شيئاوالنقص إما أن يكون بالتجرؤ على ما لا يجوز للإنسان وإما بالتفريط فيمايجب عليه وبذلك يدور الظلم على هذين الأمرين إما ترك واجب وإما فعل محرموالظلم نوعان ظلم يتعلق بحقوق الله عز وجل وظلم يتعلق بحقوق العبادوأعظمهما المتعلق بحدود الله والإشراك به فإن النبي صلى الله عليه وسلمسئل أي الذنب أعظم فقال أن تجعل لله ندا وهو خلقك ويليه الظلم في الكبائرثم الظلم في الصغائر أما في حقوق الله فالظلم يدور على ثلاثة أشياء بينهاالنبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الودائع فقال إن دمائكم وأموالكموأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الظلم فيالنفس هو الظلم في الدماء يكون بأن يعتدي الإنسان على حق غيره يسفك الدماءأو الجروح أو ما أشبه ذلك الظلم في الأموال بأن يعتدي الإنسان ويظلم غيرهمن الأموال إما بعد بذل الواجب وإما بإتيان محرم وإما بأن يمتنع من واجبعليه وإما بأن يفعل شيئا محرما في مال غيره وأما الظلم في الأعراض فيشملالاعتداء على الغير بالزنى واللواط والقذف وما أشبه ذلك وكل الظلم بأنواعهمحرم ولن يجد الظالم من ينصره أمام الله تعالى قال الله تعالى مَالِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ أي أنه يوم القيامة لايجد الظالم حميما أي صديقا ينجيه من عذاب الله ولا يجد شفيعا يشفع لهفيطاع لأنه منبوذ بظلمه وغشمه وعدوانه وقال تعالى وَمَا لِلظَّالِمِينَمِنْ أَنْصَارٍ يعني لا يوجدون أنصارا ينصرونهم ويخرجونهم من عذاب اللهسبحانه وتعالى في ذلك اليوم ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اتقوا الظلم اتقوايعني احذروا والظلم هو كما سبق أن بينا يكون في حق الله ويكون في حقالعباد فقوله صلى الله عليه وسلم اتقوا الظلم أي لا تظلموا أحدا لا أنفسكمولا غيركم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ويوم القيامة ليس هناك نور إلا منأنار الله تعالى له وأما من لم يجعل الله له نورا فما له من نور الإنسانإن كان مسلما فله نور بقدر إسلامه ولكن إن كان ظالما فقد من هذا النوربمقدار ما حصل من الظلم لقوله صلى الله عليه وسلم اتقوا الظلم فإن الظلمظلمات يوم القيامة ومن الظلم مطل الغنى يعني أن لا يوفي الإنسان ما عليهوهو غني به لقوله صلى الله عليه وسلم مطل الغنى ظلم وما أكثر الذينيماطلون في حقوق الناس يأتي إليه صاحب الحق فيقول يا فلان أعطني حقي فيقولغدا فيأتيه من غد فيقول بعد غد وهكذا فإن هذا الظلم يكون ظلمات يومالقيامة على صاحبه واتقوا الشح الشح الحرص على المال فإنه أهلك من كانقبلكم لأن الحرص على المال نسأل الله السلامة يوجب للإنسان أن يكسب المالمن أي وجه كان من حلال أو حرام بل قال النبي عليه الصلاة والسلام حملهم أيحمل من كان قبلنا على على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم يسفك الشحيحالدماء إذا لم يتوصل إلى طعمه إلا بالدماء كما هو الواقع عند أهل الشحيقطعون الطريق على المسلمين ويقتلون الرجل ويأخذون متاعه ويأخذون بعيرهوكذلك أيضا يعتدون على الناس في داخل بيوتهم ويهتكون حجب بيوتهم فيأخذونالمال بالقوة والغلبة فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من أمرين من الظلمومن الشح فالظلم هو الاعتداء على الغير والشح هو الطمع فيما عند الغير فكلذلك حرام ولهذا قال الله تعالى في كتابه وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِفَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فدلت الآية على أن من لم يوق شح نفسه فلافلاح له المفلح من وقاه الله شح نفسه نسأل الله السلامة أن يعيذنا وإياكممن الظلم وأن يقينا شح أنفسنا وشرورها