قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكلمنه له صدقة وما سرق منه له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة رواه مسلم. وفي رواية له لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابةولا شيء إلا كانت له صدقة وروياه جميعا من رواية أنس رضي الله عنه . قولهيرزؤه أي ينقصه .
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - في باب كثرةطرق الخيرات ما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلىالله عليه وسلم ذكر فيمن غرس غرسا فأكل منه شيء من إنسان أو حيوان أو طيرأو غير ذلك أو نقص أي سرق منه فإنه له بذلك صدقة ففي هذا الحديث حث علىالزرع وعلى الغرس وأن الزرع والغرس فيه الخير الكثير ، فيه مصلحة في الدينومصلحة في الدنيا . أما مصلحة الدنيا : فما يحصل فيه من إنتاج ومصلحةالغرس والزرع ليست كمصلحة الدراهم والنقود لأن الزرع والغرس ينفع نفسالزارع والغارس وينفع البلد كله كل الناس ينتفعون منه بشراء الثمر وشراءالحب والأكل منه ويكون في هذا نمو للمجتمع وتكثير لخيراته بخلاف الدراهمالتي توضع في الصناديق ولا ينتفع بها أحد . أما المنافع الدينية : فإنه إنأكل منه طير عصفور أو حمامة أو دجاجة أو غيرها ولو حبة واحدة فإنه له صدقةسواء شاء ذلك أو لم يشأ حتى لو فرض أن الإنسان حين زرع أو حين غرس لم يكنبباله هذا الأمر فإنه إذا أكل منه كان له صدقة . أعجب من ذلك لو سرق منهسارق كما لو جاء شخص مثلا إلى نخل وسرق منه تمرا فإن له في ذلك أجرا معأني لو علمت بهذا السارق لشكوته إلى المحكمة ومع ذلك فإن الله تعالى يكتبله بهذه السرقة صدقة إلى يوم القيامة . كذلك أيضا إذا أكل من هذا الزرعدواب الأرض وهوامها كان لصاحبه صدقة ففي هذا الحديث دلالة واضحة على حثالنبي عليه الصلاة والسلام على الزرع وعلى الغرس لما فيه من المصلحةالدينية والمصالح الدنيوية . وفيه دليل على كثرة طرق الخير فإن لصاحبهأجرا وله فيه الخير سواء نوى أو لم ينو وهذا كقوله تعالى لَا خَيْرَ فِيكَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍأَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَمَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا فذكر الله سبحانهوتعالى أن هذه الأشياء فيها خير سواء نويت أو ما نويت من أمر بصدقة أوأصلح بين الناس فهو خير ومعروف نوى أم لو ينو فإن نوى بذلك ابتغاء وجهالله فإن الله يقول فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا . وفي هذا دليلعلى أن المصالح والمنافع إذا انتفع بها كانت خيرا لصاحبها وإن لم ينو فإننوى زاد خيرا على خير وآتاه الله تعالى من فضله أجرا عظيما أسأل اللهالعظيم أن يمن علي وعليكم بالإخلاص والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلمإنه جواد كريم .