عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اللهليملي للظالم فإذا آخذه لم يفلته ثم قرأ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَاأَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ متفقعليه
الشرح
نقل المؤلف عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال من ظلممن الأرض قيد شبر طوقه يوم القيامة من سبع أرضين هذا الحديث يتناول نوعامن أنواع الظلم وهو الظلم في الأراضي وظلم الأراضي من أكبر الكبائر لأنالنبي صلى الله عليه وسلم لعن من غير منار الأرض قال العلماء منار الأرضحدودها لأنه مأخوذ من المنور وهو العلامة فإذا غير الإنسان من هذه الأرضبأن أدخل شيئا من هذه الأرض إلى أرض غيره فإنه ملعون على لسان النبي صلىالله عليه وسلم واللعنة الطرد والإبعاد عن رحمة الله وثمة عقوبة أخرى وهوما ذكره في هذا الحديث أنه إذا ظلم قيد شبر طوقه يوم القيامة من سبع أرضينلأن الأرضين سبع كما جاءت به السنة صريحا وكما ذكره الله تعالى في القرآنإشارة في قوله تعالى اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَالأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ومعلوم أن المماثلة هاهنا ليست في الكيفية لآن بينالسماء والأرض من الفرق كما بينهما من المسافة السماء أكبر بكثير من الأرضوأوسع وأعظم قال الله تعالى والسماء بنيناها بأيد أي بقوة وقال تعالىوبنينا فوقكم سبعا شدادا أي قوية فالإنسان إذا ظلم قيد شبر من الأرض فإنهيطوق من سبع أرضين يوم القيامة أي يجعل له طوقا في عنقه والعياذ باللهيحمله أمام الناس أمام العالم يخزي به يوم القيامة وقوله قيد شبر من الأرضليس هذا على سبيل القيد بل هو على سبيل المبالغة يعني فإن ظلم ما دونهطوقه أيضا لكن العرب يذكرون مثل هذا للمبالغة يعني لو كان شيئا قليلا فإنهسيطوقه يوم القيامة وفي هذا الحديث دليل على أن من ملك الأرض ملك قعرهاإلى الأرض السابعة فليس لأحد أن يضع نفقا تحت أرضه إلا بإذنه يعني لو فرضأن لك أرضا مسافتها ثلاثة أمتار بين أرض لجارك فأراد جارك أن يفتح نفقابين الأرضين ويمر من تحت أرضك فليس له الحق في ذلك لأنك تملك الأرض وماتحتها إلى الأرض السابعة كما أن الهواء لك إلى السماء فلا أحد يستطيع أنيبني على أرضك سقفا إلا بإذنك ولهذا قال العلماء الهواء تابع للقراروالقرار ثابت إلى الأرض السابعة فالإنسان له من فوق ومن تحت لا أحد عليهيتجرأ قال أهل العلم ولو كان عند جارك شجرة فامتدت أغصانها إلى أرضك وصارالغصن إلى أرضك فإن الجار يلويه عن أرضك وإن لم يمكن ليه فإنه يقطع إلابإذن منك وإقرار لأن الهواء لك وهو تابع للقرار أما حديث أبي موسى الأشعريرضي الله عنه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله ليملي للظالم فإذاأخذه لم يفلته يملي له يعني يمهل له حتى يتمادى في ظلمه والعياذ بالله فلايعجل له العقوبة وهذا من البلاء نسأل الله أن يعيذنا وإياكم فمن الاستدراجأن يملي للإنسان في ظلمه فلا يعاقب له سريعا حتى يتكدس على الإنسانالمظالم فإذا أخذه الله لم يفلته أخذه أخذ عزيز مقتدر ثم قرأ النبي صلىالله عليه وسلم وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ فعلى الإنسان الظالم أن لا يغتربنفسه ولا بإملاء الله له فإن ذلك مصيبة فوق مصيبته لأن الإنسان إذا عوقببالظلم عاجلا فربما يتذكر ويتعظ ويدع الظلم لكن إذا أملى له وأكتسب آثاماأو ازداد ظلما ازدادت عقوبته والعياذ بالله فيؤخذ على غرة حتى إذا أخذهالله لم يفلته نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاعتبار بآياته وأن يعيذناوإياكم من ظلم أنفسنا ومن ظلم غيرنا إنه جواد كريم