(( سبب تسمية يوم التروية بهذا الاسم ))
بسم الله الرحمن الرحيم
يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة ، وتسميته بهذا الاسم قديمة ، من قبل بزوغ فجر الإسلام
قيل : لأن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كان يتروى ويتفكر في رؤياه فيه ، وفي التاسع عرف ، وفي العاشر استعمل .
ذكر هذا الفيروزآبادي في القاموس ( 1 / 1665 ) أي يتروى ويتفكر في رؤياه في ذبح ابنه إسماعيل ، وهذا لا مستند له يؤيده ، وحاشا خليل الله إبراهيم عليه السلام أن يصدر منه هذا التروي والتفكر فلا يعرف المراد من الرؤيا ، أو ما هو صانع إلا في اليوم التاسع ، والله أعلم .
وقيل في سبب التسمية : أن التروية مشتقة من الرواية ، لأن الإمام يُروِّي الناسَ مناسكهم .
ذكره د. مصطفى محمد حسين الذهبي محقق كتاب مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن لابن الجوزي ص ( 175 ) .
وهذا القول أيضاً غير صحيح لأمور :
الأمر الأول : أنه لا مستند له يثبته .
الثاني : أن هذه التسمية معروفة قبل الإسلام .
الثالث : أن تعليم الإمام للناس مناسكهم غير مخصوص بهذا اليوم ، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس في سائر أيام الحج ، وكان يقول : خذوا عني مناسككم ، وكذا الأئمة من بعده لم يكونوا يخصون يوم الثامن بتعليم الناس .
والصحيح في سبب هذه التسمية هو : أنه لم يكن بعرفة ومزدلفة ماء في الزمن القديم ، وكان الناس في اليوم الثامن يستقون الماء لحمله معهم إلى عرفات ومزدلفة ، إما أن يحملوه من ذي المجاز أو من مكة .
ذكر الأزرقي في أخبار مكة ص ( 187 ، 188 ) ضمن حديثه عن حج أهل الجاهلية وإنساءِ الشهور ومواسمهم ، قال :
إذا كان الحج في الشهر الذي يسمونه ذا الحجة ، خرج الناس إلى مواسمهم فيصبحون بعكاظ يوم هلال ذي القعدة ، فيقيمون به عشرين ليلة تقوم فيها أسواقهم بعكاظ ، والناس على مداعيهم وراياتهم منحازين في المنازل ، تضبط كل قبيلة أشرفها وقادتها ويدخل بعضهم في بعض للبيع والشراء ، ويجتمعون في بطن السوق ، فإذا مضت العشرون انصرفوا إلى مجنة ، فأقاموا بها عشراً أسواقهم قائمة ، فإذا رأوا هلال ذي الحجة انصرفوا إلى ذي المجاز فأقاموا به ثمان ليال أسواقهم قائمة ، ثم يخرجون يوم التروية من ذي المجاز إلى عرفة فيتروون ذلك اليوم من الماء بذي المجاز ، وإنما سمي يوم التروية لترويهم من الماء بذي المجاز ، ينادي بعضهم بعضاً ترووا من الماء لأنه لا ماء بعرفة ولا بالمزدلفة يومئذ ، وكان يوم التروية آخر أسواقهم ، وإنما كان يحضر هذه المواسم بعكاظ ومجنة وذي المجاز التجار ، من كان يريد التجارة ومن لم يكن له تجارة ولا بيع فإنه يخرج من أهل متى أراد ، ومن كان من أهل مكة ممن لا يريد التجارة خرج من مكة يوم التروية فيترووا من الماء .. اهـ
وقال ابن الحنفية : إنما سمى يوم التروية لأنهم كانوا يتروون من الماء ، لم يكن بعرفة ماء .
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة ( 3 / 189 ) والحربي في الغريب ( 2 / 780 )
وأخرج ابن الجوزي في مثير الغرام الساكن ص ( 175 ) بسنده إلى الزهري ، قال : إنَّ يوم التروية سُمّي يوم التروية لأنَّ عرفات لم يكن بها ماء ، فكانوا يتروون من الماء إليها .
وأخرج الفاكهي أيضاً عن الأعمش قال : إنما سمي يوم التروية لأن الناس كانوا يتروون فيه الماء إلى عرفات ولم يكن بها ماء .
وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار ( 1 / 302 ) :
ويوم التروية : اليوم الذي قبل يوم عرفة ، مخفف الياء بعد الواو ، وسمي بذلك لأن الناس يتزودون فيه الري من الماء بمكة .
وقال ابن الأثير في النهاية ( 2 / 280 ) : سُمّيَ به لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعده ، أي: يَسْقون ويستقون . اهـ
هذا وأما اليوم فإننا نحمد الله تعالى على نعمه السابغة ، ظاهرةً وباطنةً ، التي عمت ببركاتها هذه البلاد المباركة ، وعلى نعمة الأمن والاجتماع ، بعد الحاجة والخوف والتفرق .
اللهم احفظ علينا نعمة الإسلام التي هي أعظم النعم ، وادفع عنا برحمتك كل البلايا والنقم
والحمد لله رب العالمين
وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين