ياسمينا عضو فعال
عدد المساهمات : 753 تاريخ التسجيل : 11/10/2010
| موضوع: سبعةُ أرطال من اللحم البشرىّ الإثنين 18 أكتوبر - 21:25 | |
| فىمسرحية «تاجر البندقية»، The Merchant of Venice، التى كتبها البريطانىوليم شكسبير حوالى العام، ١٥٩٦، نتعرّف على شايلوك، المُرابى اليهودى،الذى قرّر استرداد دَيْنه من منافسه المسيحى أنطونيو، ليس مالاً، ولاقِطعًا من الذهب أو الفضّة، إنما رطلاً من اللحم البشرى! لحم أنطونيو.لونٌ من الثأر الوحشىّ الرخيص، انتقامًا من أنطونيو الذى أهانه، وبصق عليه.وفى عام ٢٠٠٨، كتب الأمريكى جرانت نايبورت رواية، سرعان ما غدتفيلمًا سينمائيًّا فائق الشهرة عنوانه «سبعةُ أرطال» Seven Pounds، منإخراج «جابريل موشينو»، وبطولة «ويل سميث». يحكى الفيلم عن مهندس طيران ناجح تسبب، دون قصد، فى قتل سبعةأشخاص، من بينهم خطيبته، فى حادث سيارة. تبدّلت حياتُه إثر ذلك، وأعتمتِالدنيا أمام عينيه. فكّر فيما عساه أن يفعلَ، ليُخرجَ روحَه من خندقالشعور بالذنب المرُّ. لو أنه أنهى حياته، لربما استراح، لكنه لن يُعيدسبعَ أرواح أزهقها فى لحظة، غفل فيها عن قواد سيارته لينظر فى هاتفهالمحمول. ولأنه ليس شايلوك، ما كان بوسعه أن يُكمل حياته بسلام، ضاربًاصفحًا عن حادث، اعتبره القانونُ قضاءً وقدرًا. فكّر الشابُّ الزنجى فى أن يقتطع من لحمِه ليهبَ الحياةَ لسبعةمأزومين يكادون أن يُسلموا أرواحَهم، إلى حيث تُسلَمُ الأرواح. وكأنمايقايضُ الحياةَ: استلَّ منها سبع أرواح، فيمنحها، سبعا أخرى، بالمقابل.سبعةُ أرطال من جسده سيوزعها على هذا النحو: شقيقُه، المصاب بسرطان الرئة،يمنحه جزءًا من رئته، ويمنح سيدة أخرى فَصّا من كبده. وبعدما تتعافىيسألها أن ترشّح له اسمًا طيبًا آخر فى محنة. فتدلّه على سيدة تقاسى بطشَرجل يستعبدها مع طفليها، فيمنحها «تيم توماس»، أو ويل سميث، منزله الجميلعلى شاطئ الأطلنطى.سيمنح رجلاً مرزوءًا بالفشل الكلوى إحدى كليتيه، ثم يرقدساكنًا ليمتصَّ الأطباءُ النخاعَ من عظامه بمحقن غليظ، معانيًا ألمًا تنوءعنه الجبال، ليحقنوا ذلك النخاع فى جسد طفل مُمتحَن بسرطان النخاع. وفى الأخير سوف يقع فى هوى شابة زنجية تعيش آخر أيامها، بسببضعف وراثيٍّ حادٍّ فى عضلة القلب. فيسرحُ بذاكرته فى طفولته، حينما اصطحبهأبوه إلى الأكواريوم لمشاهدة الأسماك، يرى قنديل البحر Jellyfish، ويفتَنبجماله وليونته الفائقة وجسده الهلامى الشفيف، ليعلن أنه أجمل مخلوق وقعتعليه عيناه. لكنه سيتعلّم أن هذا الكائن الفاتن يحمل فى جسده أشد السمومفتكًا فوق الأرض. يُحضرُ حوضًا ضخمًا من الزجاج، ويربّى قنديل بحر فىغرفته، حتى تحين اللحظة المناسبة. يترك حبيبته ويعود إلى منزله. يملأالبانيو بجرش الثلج ويرقد حتى يغمره الماء الثلجى. وحينما يتخدّر الجسد،يأتى بقنديل البحر ليسبح جواره ويلسع معصمه لسعةً سامّة، بعد أن يكون قداتصل بالإسعاف ليخبرهم بأنه ينوى الانتحار. يتحمّل اللدغات المميتة بصبرالقديسين، ويُنقل إلى المشفى فى محاولة يائسة لإنقاذه. ثم يُبرز صديقُهالوصية التى يعلن فيها تبرعه بقلبه إلى حبيبته السمراء، لتبدأ حياة جديدةًبقلب سليم، أنهكه الإيثار والشعور بالذنب. بهذا يكون قد منح أشخاصًا ستة،ستَّ قطعٍ من جسده كعطايا لا تُردّ. أما القطعة السابعة، فلم تكن سوىعينيه، اللتين سيتبرع بهما لشابٍّ أعمى، موسيقيٍّ موهوب، وعلى درجة منالتهذّب فائقة. هذا شرطه الوحيد فى منحه هداياه الثمينة. أن يكون الشخصُالممنوح على درجة من الجمال الروحى والرقّى الإنساني، ولا شىء أكثر.باختصار، أن يستحق أن يعيش.وأفكّر. لو أن عابرًا من كوكب آخر، قُدِّر له أن يطّلع، وحسب،على هذين العملين الفنيين فى كوكبنا: مسرحية «تاجر البندقية»، نهاية القرنالسادس عشر، ثم فيلم «سبعة أرطال»، بداية القرن الواحد والعشرين. ولو أنهلا يعرف شيئًا عن تاريخ كوكبنا سوى هذين العملين، وفقط. ماذا عساه أنيقول؟ سيقول إن ساكنى هذا الكوكب قد انتقلوا، عبر أربعة قرون، من الهمجيةوالإثرة والوحشية، إلى التحضّر والإيثار والسموّ الروحى. كوكبٌ يتقدّمللأمام مع مرور الزمن! هذا خطابُ العابر كوكبنا، المراقِب من وراء لوحزجاجى، ليحكم علينا عبر قطعتين من الأدب الرفيع. بينما نحن، المتورطين فىالحياة على هذا الكوكب، العارفين بكل ما فيه من حروب ماذا عسانا أن نحكىعن تحضّر الإنسان وتطوّره، خلال أربعمائة عام؟ | |
|
نور المستقبل الادارة العامة للمنتدي
الدولة : مصر عدد المساهمات : 2774 تاريخ التسجيل : 19/11/2009 العمر : 28 تاريخ الميلاد : 01/04/1996
| موضوع: رد: سبعةُ أرطال من اللحم البشرىّ الثلاثاء 19 أكتوبر - 11:32 | |
| | |
|